د. سيد شعبان - الرجل الحافي

في زمن مضى كانت الحيل تفوق التصور وتغلب المحال؛ الآن كل هذه الأشياء صارت من الأساطير؛ كثيرا ما كنت أحلم بأنني بلا حذاء؛ ساعتها أضرب أخماسا في أسداس من تراه سرقه؟
لم أجد تفسيرا لهذا الحلم العجيب، تكرر مرة ومرة وجدتني حين أصحو أتحسسه، لا أطمئن حتى تتحرك أصابع قدمي فيه؛ ساعتها أشعر بالأمان، أشد ما أخاف أن يراني تلاميذي في الفصل الدراسي حافيا، مؤكد أنهم سيقولون عني أقاويل شتى؛ بعضهم سيتبرع بمصروفه اليومي ويتساهم في شراء آخر، سأشكر لهم جميل ما صنعوا، أو لعل زوجتي تضرب بيديها على صدرها وتهرول مخافة أن تعيرها زميلاتها؛ تراني ملكية خاصة لها؛ سألت نفسي مرارا ماذا لو حدث هذا؟
هذا الكابوس بدأ يراودني كل ليلة؛ زميل لي ترك نعله خارج شقته، في الصباح وحين هم بالمغادرة ليدرك حافلة العمل لم يجد حذاءه، هاتف مدير المدرسة بأنه اليوم في إجازة عارضة؛ لم يشأ أن يحكي ما حدث إلا حين جاء في اليوم التالي؛ تألمنا لأجله؛ تعاهدنا أن نعتني جيدا بتلك النعال، نزل ذلك الخبر في صفحة الوشايات التي تتناقلها المعلمات، قلن إن له زوجة أخرى دبرت له تلك المكيدة.
هل سينتقل هذا الكابوس إلى بقية أشيائي من ثياب وأغطية وأوراق هوية بل أخشى أن أصحو ولا أجد بيت أبي؛ يقال إن تلك الهواجس تدهم صاحبها وترسل إليه بتلك الإشارات؛ حين حكيت لأمي عن هذا؛ أعاذتني بالله من شر مكر خفي؛ سألتها من تراه يدبر لي كل هذا الشر؟
أردفت قائلة: إخوة يوسف لم تنته مكائدهم يوما؛ لكل زمن يا ولدي بئره الذي يمتليء، العقارب تسكن جوار الحوائط.
بدأت أخاف من الليل؛ إنه يداهم النهار مبكرا ويسرق منه الساعة تلو الأخرى.
انتابني وسواس قهري أن ثيابي لم تعد تغطي جسدي؛ لأول وهلة بدأت أمسك بسروالي كل من يحيط بي فعل هذا.
أسوء ما يمكنه تخيله لم يحدث بعد؛ لم أفقد بطاقة العيش المدعوم؛ ما تزال فرشاة أسناني في موضعها، تخوفني أمي من غيابة الجب؛ تقوم من النوم فزعة؛ الذئب يعوي يا ولدي في الخارج؛ لا تطعم الكلاب عشاء حتى تظل يقظة؛ الأكل يتخمها؛ ابحث عن قفل الحظيرة الحديدي؛ لم أخبرها أنني أفتقده منذ الليلة التي ضربني فيها هاجس الحذاء ذي الزرقة المقيتة؛ يقال إن سوق الجمعة يزدحم بكل تلك الأشياء؛ به أحذية مستعملة وأطقم أسنان لموتى ارتحلوا منذ فترة ليست بعيدة؛ ثياب قرمزية تصلح لتلك النزوات الكريهة؛ عقود بيع يمهرها شهود زور، ليس هذا فقط بل أطفال لا آباء لهم ألقت بهم نسوة في المدينة.
تتسلل أمي إلى فراشي؛ تأتي وتتلو في مسمعي آية الكرسي؛ تتدعي زوجة النوم؛ كلتا الاثنتين تشاجرت؛ بل تقتسمان أشيائي؛ لحسن حظي أنهما لم تفطنا أنني أحتفظ بآخر بديل في كن الدجاج؛ لكنني أعجز أن أصل إليه؛ فقد تاه مفتاح القفل الحديدي، هل سأغادر البيت إلى المدرسة حافيا؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى