صديقة علي

بذلت جهدا كبيرا، كي أقنع أمي بواجب التعزية في وفاة أبي، صحيح أنني كنت قد قاطعته منذ مدة قصيرة، لكن أصر عمي على حضورنا، فأنا وريث أبي الوحيد. سلّمت أمي لمجلس النساء، تجاهلتها جدتي، و احتضتني بنحيب قائلة: ـ من رائحة المرحوم. رائحة…رائحة أعادتني لصراخهما الذي أرعبني ..جلست في زاوية الغرفة ..أرقب...
أشدّ ما يؤلمني، تلك النظرة المحمّلة بالأسى والخيبة في عيني والدي، وإطراقة رأسه الذليلة التي يعود فيها لليوم الثالث على التوالي، حاملاً (غالونات) بلاستيكية فارغة كان قد خرج فيها منذ الصباح، وكلّه أمل أنّ اليوم سيكون مختلفا عمّا سبقه، صوت أمّي المواسي له مدية تنغرز في قلبي، - لا حاجة لنا للمازوت...
الأستاذة صديقة تزيح ستارة مجهولة اللون والزمان عن مسرح حقيقى ينطق بلغة مدهشة، نشم فيه رائحة الدم بلا جريمة واضحة المعالم،ونقرأ خلف كواليسه طقسا مشهديًا يشد الأنفاس، ويخلق حضورًا كاملا لشخصيتين متناوبتين وظل غائب للأم التي ستختفي في استهلال السرد بخفة. المحور الشيق هو الضحية ومن الضحية يشع الحدث...
حين نقرأ لكاتبة مثل صديقة، فلا بد أن نقرأ على مهل، فهي من أولئك الكتاب الذين يرصّعون نصوصهم بأفكار تغوص في أعماقنا الإنسانية، كما أنها تزن حروفها بموازين من معاناة وألم. وأرى أن مشروعها الأدبي قد اتخذ من مأساة الشام خاصة في أيامنا هذه منطلقا تشع منه أنات روحها المعذبة تجاه ضمير الإنسان في أرجاء...
قرّب أُذنه من بطنها الحاضن لحلمه ، أخذ يتحسسه بكفه القويّة ،بهدوء وحذر شديدين ، كمن يتلمس بتلات وردة. - أُريده رجلاً منذ ولادته ، أُريده بطلاً بالرياضة أريده سباحاً ماهراً، لا يخاف البحر سألقيه في اليم وأدعه يخلّص نفسه بنفسه . أمي كانت تخاف عليّ من غدر البحر فلم أتعلّم السّباحة إلا في عمر...
ألَا ترَيْن أن الحياةَ على هذا النحوِ الذي تهرقِينها فيه تافهةٌ؟ لِمَ لا تهتمِّي بفكرِكِ ..بالكتبِ مثلًا؟ أتعلمينَ أنّ اختيارِي لكَ في أحدِ جوانبِِهِ بُنيَ على أنّكَ ابنةُ الأستاذِ معتزّ؟! - الأستاذُ معتز !! أبي!! رحتُ أُقهقِهُ لشدَّةِ دهشتِي: لم تكنْ خالتِي تبخلُ علينا بشيءٍ، ترسلُ لي...

هذا الملف

نصوص
66
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى