تستقبلني بصقة أمي الحارقة لوجهي:
ـ لست ابنتي ولا أعرفك... لكن (انضربي)، ادخلي كي أريح الناس من شرّك.
رأيت إخوتي بانتظاري، نظراتهم سيوف مسلّطة على رقبتي أعلم كم يحتقرونني،هم لا يعلمون كم كنت أبغضها.
خطفتْ الأبصار والقلوب، وُهبتْ جمالا ليس بأكثر مما وُهبتُ؛ لكنه حال بيني ومن أحب ،وزاد الطين...
بهدوء شديد، تهمس قدماي لأرض صقيله باردة، أقترب من نافذة تعلو سريره، فيطالعني نور فضي، ينسكب على ملامحه المتعبة ببهاء، ينبع من جبينه بسخاء، أنقر الزجاج؛ فتفرّ حزم ضوئية مبهرة من أناملي.
ـ هل نمت جيدا يا قمري ...؟ هل ارتحت يا بن قلبي؟
يتقلب بقلق ويمسح عينيه؛ فتتكشف دهشة وخوفاً:
ـمن؟
أتقدم بنظراتي...
تغبّ عيناي أحرف اسمه، مكتوبة بخط كوفيّ على لوحة البوابة، يصرّ على هذا في بلد امتصّ ضبابها كل اللغات.
أتردد بقرع الجرس.
يومها قال: كلما أمعن العمر في التوغل بالمجهول، واشتدت القباحة من حولي؛ شعرت بحاجتي للحديث مع الطيبين البسطاء، فلا أجد غيرها!
قلت : لا ترهق نفسك بالشرح فأنا أفهمك.
_مضى كل هذا...
لن أستنجدَ بأحد، سيقولون إنّني خرَّفتُ وسيخبرون أولادي، وهؤلاء لن يرحموني من عتابهم القاسي. ابني الكبير، بحجّة عطفه عليّ، سيجد مبرراً لسوْقي معه إلى المدينة، وأنا أمقتُ السكنَ هناك بعيداً عن أرضي وبيتي، بيتي! كيف لي أن أستدِلَّ عليه في هذا الظّلام الدّامس... أستحقُّ ما أنا فيه، ما لي ومواعيد...
لفحتني نسائم الوادي، المحملة بما تردده الجبال من صدى أصوات رفاقي،وهم ينشدون:
حني... حني ياكمشة التراب
عصدر البطل إللي مفارق الحباب
أمي يا أمي قومي طلعي ع الباب
وودعي آدم زينة الشباب
جلست على صخرة أشيع قريتي، التي اقتلعت منها للتو، وأتأمل بيوتها الغارقة في وادي البؤس، المتكئة على ويلاتها، راح...
متعب جدا باستحضار كلمات أغنية... كانت يوما تملأ الفضاء الفاصل بين نافذتي وشرفة الجيران، مطلعها يلحّ على تلافيف دماغي ويدور في ظلام المكان، افتقاده لنافذة يجعله أشبه بقبر... ليس القبر بمصطلح مناسب لهروبي المؤلم، لأعود إلى الأغنية، انشغالي بها أنساني قدميَّ المتورمتين.
ومرت الأيام نعم تذكرتها...
بين عشق المكان حد الذوبان فيه ، وفي تفصيلاته وجزئياته ، وبين حالة الخوف من مجهول يترصده ، تكمن المعادلة الصعبة التي تؤسس لها مرويات الكاتبة والقاصة السورية (صديقة علي) في معظم قصصها ، كاشفة عن حالة الانشطار النفسي التي تسم شخوصها، وتجبرهم على الهروب من اللعنة التي حلت بالمكان ، وتقضي عليهم...
أسبوع صديقة علي
النص الأول
وعد
حال وجهها الحبيب، بيني وبين سعادة مفترضة لعروس بلا فستان زفاف.
بعد فقدانها يصبح الحديث عن السعادة ضرب من الخيال، كلها أوهام لأفراح سطحية، لا تلامس العمق، قد تخلقها ضحكة ابنتها، أو لعبة ننجزها معا أنا وابنها، أو كلمة “ماما” تنعش...
كان حفل رأس السنة لهذا العام مميزاً، بحضور ولديّ من اغترابهما. لقد بذلت كل ما بوسعي لأن يكملا اختصاصهما في الغرب ،ويعودا كما فعلت، لكنهما علقا بشباك الغربة.
على المائدة الباذخة المكتظة بأصناف الطعام، والحب والفرح والذكريات، جلس إبني و زوجته وابنه على يميني، وابنتي وولديها إلى يساري.
أخذت زوجتي...
النص
ملْحُ الذَاكِرَة
يجرِّبُ الفراغَ وقد أصبحت ذاكرتُه صفحةً بيضاء. يلاحظُ أنّهُ يعني الكثيرَ لعائلتِهِ، لكنّهم غُرباءُ عنْ ذاكرةٍ يتسابقونَ لإنعاشِهِا فتصدّ أبوابَها بوجهِ محاولاتِهم، هُمْ يستبسلونَ في إثباتِ وجودِهم فِيها، وهي تئِنُّ من وطأةِ خواءٍ لا يتَّسعُ لَهمْ.
دَعَوْهُ إلى وليمةِ...
صفعتني الرطوبة الدبقة، ورائحة العفونة الخانقة، بعد أن نزلت عدة درجات، لم احتج لقرع الباب، أوقفتني العتمة عند العتبة، كي تعتاد عيناي على إضاءة خافتة، تعكس خيال رجل بدين في عقده السابع، يجلس على أريكة حوافها مهترئة ومفرشها محني ،تقدمت نحوه بهدوء وعيوني تستطلع المكان، جدران رسمت الرطوبة...
أما تعبت؟ طال وقوفك ياحنونة؟ وطال تحديقك، طافت دموعك، امسحيها قبل أن تغرقي العالم، لم كل هذا؟ لك أن تفرحي.
أتذكرين؟
هس! اصمتـ، مازلت صغيرا. تقولينها بعينيك، بهمسك، بسبابتك وشفتيك المضمومتين،..وكنت أقول لك:" هذا باطل ولو أنه صادر عن أبي" كبرت وأنت تحذرينني بأن صراحتي ودفاعي المتهور سيهلكني،...
يدايَ اللتان اعتادتا على نثرِ حبّةِ القمحِ الذهبيّةِ وعلى أقلامِ الطّباشير، لم تأْلفا هنا أشواكَ الأعشابِ البريّة.
-توتُ العليقِ ..القبُار .. قثّاء الحِمار
تكفّل العجوزُ بتعريفِي بها، وأنا منهمكٌ باقتلاعِها المُضْني من أرضِ غرفةٍ تسقُفُها السماءُ، قال لي أن مالكَها قدِ استصلحَ الأرضَ؛ ليقيمَ...
لم تكن علاقتي بأحمد علاقة رئيس بمرؤوسه، بل علاقة تعويضية، فقد رسمته ابناً لي، وهو أحبّ اللوحة، فاتّبع خطوطها ليتمه، قصدني ذات يوم آتياً من قريته الفقيرة في كل شيء، القاسية بعوزها، وصخورها، وثلوجها.
أشار لي بيده إلى مشرق الشمس، ليدلّني عليها، كانت تبعد بضعة كيلومترات عن المخفر الحراجيّ، وكان قد...
يقول دريدا في كتابه هامش الفلسفة عن دار مينْوي بباريس 1972 ص17:
وما الوعي؟ إنه في جميع اشكاله حضور بالنسبة للذات، إدراك الحضور لذاته، وما يصدق على الوعي يصدق على الذاتية بصفة عامة."
ويقول أيضا: "كلنا وسطاء مترجمون."
يمكن الولوج إلى هذا النص من خلال تلخيص قصير له. هو قصة امرأة منعتها قوانين...