صديقة علي

صفعتني الرطوبة الدبقة، ورائحة العفونة الخانقة، بعد أن نزلت عدة درجات، لم احتج لقرع الباب، أوقفتني العتمة عند العتبة، كي تعتاد عيناي على إضاءة خافتة، تعكس خيال رجل بدين في عقده السابع، يجلس على أريكة حوافها مهترئة ومفرشها محني ،تقدمت نحوه بهدوء وعيوني تستطلع المكان، جدران رسمت الرطوبة...
أما تعبت؟ طال وقوفك ياحنونة؟ وطال تحديقك، طافت دموعك، امسحيها قبل أن تغرقي العالم، لم كل هذا؟ لك أن تفرحي. أتذكرين؟ هس! اصمتـ، مازلت صغيرا. تقولينها بعينيك، بهمسك، بسبابتك وشفتيك المضمومتين،..وكنت أقول لك:" هذا باطل ولو أنه صادر عن أبي" كبرت وأنت تحذرينني بأن صراحتي ودفاعي المتهور سيهلكني،...
يدايَ اللتان اعتادتا على نثرِ حبّةِ القمحِ الذهبيّةِ وعلى أقلامِ الطّباشير، لم تأْلفا هنا أشواكَ الأعشابِ البريّة. -توتُ العليقِ ..القبُار .. قثّاء الحِمار تكفّل العجوزُ بتعريفِي بها، وأنا منهمكٌ باقتلاعِها المُضْني من أرضِ غرفةٍ تسقُفُها السماءُ، قال لي أن مالكَها قدِ استصلحَ الأرضَ؛ ليقيمَ...
لم تكن علاقتي بأحمد علاقة رئيس بمرؤوسه، بل علاقة تعويضية، فقد رسمته ابناً لي، وهو أحبّ اللوحة، فاتّبع خطوطها ليتمه، قصدني ذات يوم آتياً من قريته الفقيرة في كل شيء، القاسية بعوزها، وصخورها، وثلوجها. أشار لي بيده إلى مشرق الشمس، ليدلّني عليها، كانت تبعد بضعة كيلومترات عن المخفر الحراجيّ، وكان قد...
يقول دريدا في كتابه هامش الفلسفة عن دار مينْوي بباريس 1972 ص17: وما الوعي؟ إنه في جميع اشكاله حضور بالنسبة للذات، إدراك الحضور لذاته، وما يصدق على الوعي يصدق على الذاتية بصفة عامة." ويقول أيضا: "كلنا وسطاء مترجمون." يمكن الولوج إلى هذا النص من خلال تلخيص قصير له. هو قصة امرأة منعتها قوانين...
متعب جدا باستحضار كلمات أغنية... كانت يوما تملأ الفضاء الفاصل بين نافذتي وشرفة الجيران، مطلعها يلحّ على تلافيف دماغي ويدور في ظلام المكان، افتقاده لنافذة يجعله أشبه بقبر... ليس القبر بمصطلح مناسب لهروبي المؤلم، لأعود إلى الأغنية، انشغالي بها أنساني قدميَّ المتورمتين. ومرت الأيام نعم تذكرتها...
أَرمي إليهم بورقةٍ تأخذها الريح، كتبتُ (اتركوني معها أرجوكم).. وحدَكِ، وحدَك من يدركُ أهميةَ القلمَ بيدي، وأنني أصبحت قادرا على الكتابة. أنظر إليهم إلى أسفل، أعناقهم مشرئبة إليّ، لابد أنهم يظنون بأن مسا قد أصاب عقلي، أو أنني سأقدم على الانتحار... قالوا لك يوما: ما تقومين به انتحارٌ، وكنتِ...
النص ........ دوائر على الرمال - صديقة علي لا يتذكر من قال له : إنَّ البحر َأبو الفقراءِ، والعجوزُ قالت يومًا: -من جاورَ البحر لا يفقرْ، من أصدافه صنعتُ التحفَ وإطارات الصورِ، أبيعها للسياح، وبنيت هذه الغرف المتناثرة .... لقِّط رزقك منهُ، ودعكَ من بحوركَ الشِّعرية التي لا تُسمن ولا...
لا يتذكر من قال له أنَّ البحر َأبو الفقراءِ، والعجوزُ قالت يومًا: -من جاورَ البحر لا يفقرْ، من أصدافه صنعتُ التحفَ وإطارات الصورِ، أبيعها للسياح، وبنيت هذه الغرف المتناثرة .... لقِّط رزقك منهُ، ودعكَ من بحوركَ الشِّعرية التي لا تُسمن ولا تغنِي من جوعٍ. يقفُ في مكانه المعتادِ، وحيدًا مع...
لفحتني نسائم الوادي، المحملة بما تردده الجبال من صدى أصوات رفاقي، وهم ينشدون: حني... حني ياكمشة التراب عصدر البطل إللي مفارق الحباب أمي يا أمي قومي طلعي ع الباب وودعي آدم زينة الشباب جلست على صخرة أشيع قريتي، التي اقتلعت منها للتو، وأتأمل بيوتها الغارقة في وادي البؤس، المتكئة على ويلاتها، راح...
أثار فضولي العجوز،الذي اشمأزَّ من رائحته بعض العاملين في المشفى ، وتركوه وحيداً في سريره ، ،دنوت منه أكثر، لأتفحص وجهه جيدا ، بعد أن وضعت على أنفي كمامة ، ولبست قفازات ، احترت من القذارة التي هو فيها.. أظفاره تخبئ تحتها وسخ العمر ، طبقات من الأتربة السوداء سمَّكت كعبيه، حتى أنك تظنها جزءاً...
مع كل قطعة كنافة ساخنة يصفّها البائع في العلبة،تهطل دموع حارقة من عينيّها ...هذه تمنتها لابنتها الصّغرى، وتلك للكبيرة .. وهذه للوسطى ( يا للحسرة لن يذقنها) قالت في نفسها (مضى وقت طويل وهن يطالبنني بالكنافة). دموعها حيّرت بائع الحلويات ... ـ مابك ياخالة، إن لم يكن معك ثمنها لا بأس عليك...
أشفقت على أمي، وهي تلطم خدّها باكية، كدت أن أبوح لها بالسرّ، لكن شيئا ما منعني. ـ ياويلي إبني راح ...والمرحاض مسدود . ـ تصبري قليلاً ...لا بدّ من حلّ. ـ أيّ حلّ لقد دلقت به كلّ ما عندنا من ماء. تركتني، واتجهت لبيت جارنا،لحقت بها. ..سمعتها تجادله : ـ هي نقلة ماء ياجار ...أجلبها وأعيد لك...
وراءَ جبالِ الزيتونِ، غيوم رماديّة يؤطرُ قممَها شريطٌ ذهبيٌّ ملتهبٌ بلا دخانٍ، وزقزقةُ العصافير تعلنُ عن وجودها وعنْ صباحِ شمسهُ مؤجلةٌ إلى أن تنقشعَ الغيومُ أو تعتليها، وكان البحر يختبئ َبعيدًا عنَّا خلفَ تلالٍ صفراءٍ قد هدَّها العطشُ، وحيدًا كنتُ مع كلبي، الذي راحَ كالبرق يلهثُ قاصدًا حجلةً...
قطاري صديقة علي كان من الصعب على عجوز مثلي أن يجثو على ركبتيه، وبالرغم من ذلك، أذعنت لطلب حفيدي، ورحت أعيد له قطاره إلى السكة، وأصفرّ: - تووووت ..توووت .. وكانت ضحكته البراقة تنسيني وجعي، بل عمري، أدور وأدور مع قطاره حتى كدت أن أحجبه عن ناظريه، وبلحظة توقف القطار فهمس لي معترضا ببراءة -هذا...

هذا الملف

نصوص
60
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى