صديقة علي - وصيّة.. قصة قصيرة

تغبّ عيناي أحرف اسمه، مكتوبة بخط كوفيّ على لوحة البوابة، يصرّ على هذا في بلد امتصّ ضبابها كل اللغات.
أتردد بقرع الجرس.
يومها قال: كلما أمعن العمر في التوغل بالمجهول، واشتدت القباحة من حولي؛ شعرت بحاجتي للحديث مع الطيبين البسطاء، فلا أجد غيرها!
قلت : لا ترهق نفسك بالشرح فأنا أفهمك.
_مضى كل هذا الزمن وهي مصرّة على رفضها تعلّم لغتهم.
-ألأجلها هذه اللوحة؟
_لا... لأجل كل من غادرتهم هناك ، بل لأجل من تركوني هنا .
أشار بيده إلى جهتين، وطفرت دمعتان من مقلتيه.
تفتح البوابة وكموجة توقظني من تأملٍ بحري قالت:
-ترك لك هذا!
كانت تتشح بالسواد حتى صوتها، تمدّ يدها بمفتاح وورقة، تشير إلى مكتبه في أقصى يسار سور حديقة المنزل، ألج المكان برهبة كمن يدخل مكانا مقدسا.
قلت له ذات حنين: كلما اشتد الحنين ألوذ بكَ وكأنكَ وطني الصغير.
رد مبتسما: لعلمك لحاجتي الملحّة لك في افتقادي للجميع.
-الأولاد؟
-أخذهم الطوفان... قساة حتى مع أمهم.
كلمة السر لحاسوبه مدونة على الورقة بخط قلق، اسمي وتاريخ ميلادي.
أضاءت الشاشة على ملف حفظ باسم "صديق الطفولة "
/في هذه البلاد نادرا ما تسطع الشمس... في غربتها أريدك شمسها/
أقرأ وأبتسم وأبكي ... أتاني بوحه محمّلا برجاء خفي:
-لشد ما أخاف عليها من بعدي!
تضع على حافة النافذة الرخاميّ البارد فنجان شاي، يمتص الشمس الضنينة؛ فينكسر ضوءها وكأنه عبر موشورا.
تسند رأسها على الحافة الخارجية للنافذة، وتسألني بحزنها العذب: ماذا وجدت؟ ... طلب مني أن تراجع ما لم ينشره باللغتين.
-لا عليك وسأهتم بما نشر أيضا.
أكتشف لون عينيها وأغرق.
ترتبك، ترمش عيناها بسرعة:
- أو تخبرني ماذا وجدت؟
- الكثير من الملفات العالقة، تحتاج لحضور طويل الأمد، أهمها مغلق وبيدكِ المفتاح!
كطفلة تيتمت للتو وحُملّت مسؤولية البحث عن أشياء أمّها، تشهق:
- بيدي أنا؟!
وأفقنا على عصفة ريح تلعب بالبوابة، وتُسقط اللوحة.

صديقة علي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى