سعيد رفيع - لصوص فوق البحر

لا أدري من الذي قال لسالم ذلك ، صحيح أن بعض الصيادين كانوا يسرقون بيض السلاحف البحرية لطعمه اللذيذ كما يزعمون ، إذ كانت السلحفاة تخرج من الماء ، وتزحف على الرمال الناعمة ، ثم تضع بيضها في حفرة من صنعها ، ثم تهيل عليه التراب ، وتعود إلى البحر من حيث جاءت .
كان هذا يحدث في بعض الأحيان ، إلا أن الحكومة منعت ذلك تماما ، وشددت العقوبة على كل من يسرق أو يمس بيض السلاحف ، ولكن أحدهم قال لسالم أن تناول بيض السلاحف يقضي على الضعف الجنسي ، قال له هذا ، وأغراه بالمال الوفير الذي سوف يجنيه من بيع البيض .
حذرت سالم أكثر من مرة ، ولكنه لم يستمع لي ، بل جهز قاربه الصغير لصيد الأسماك وجمع البيض ، وأكثر من ذلك إتفق سالم مع شاب بدوي يجيد تتبع الأثر ، واختار سالم جزيرة ذات سطح رملي ، لمتابعة أثر السلحفاة في طريقها لوضع البيض .
كان سالم يجلس في القارب لصيد الأسماك ، بينما ينشغل الشاب البدوي بتتبع أثر السلاحف ، ثم ينقل البيض إلى القارب إذا وجد ، واستمر سالم في سرقة بيض السلاحف لمدة أربعة أشهر متواصلة ، كان حريصا فيها على إخفاء البيض تحت الأسماك التي يصطادها ، وعندما يصل القارب إلى المرسى كان ضابط خفر السواحل يلقي نظرة سريعة على الأسماك الموجودة في قاع القارب ، ثم يسمح للقارب بدخول المرسى .
لم يكن سالم يتوقف عند جزيرة واحدة ، بل كان يغير الجزيرة من وقت لأخر ، وواصل صيد الأسماك وسرقة البيض ونقله إلى المدينة ، ثم يبيع البيض عن طريق عملاء يقومون بالترويج لفوائد بيض السلاحف وقدرته على علاج الضعف الجنسى ، ولكن مع الوقت لم يعد بيع البيض سرا كما كان ، بعد أن ذاع الخبر في جميع أرجاء المدينة .
ورغم ذلك كله ظل سالم يبيع الأسماك وبيض السلاحف معا ، وارتفع سعر البيضة الواحدة حتى أصبح سعرها يساوي سعر ثلاثة كيلوجرامات من الأسماك ، وبالطبع وصلت الأخبار إلى الشرطة التي أبلغت خفر السواحل وطلبت منهم القبض على القارب ، وهذا ما حدث بالفعل ، فبمجرد وصول القارب إلى المرسى قفز ضابط وجندي إلى القارب ، ورفعا أكوام الأسماك ، فظهر البيض بشكل واضح .
وبسرعة البرق تم إخطار الشرطة بوصول القارب ، فقامت بدورها بإرسال سيارة لنقل سالم والشاب البدوي إلى مركز الشرطة ، وتم التحفظ على القارب بما يحتويه من أسماك وبيض سلاحف ، كما قامت الشرطة بإخطار جهاز شئون البيئة والنيابة لاتخاذ الإجراءات القانونية ، التي تمت خلال أسبوع واحد .
تم الحكم على سالم ورفيقه بالحبس لمدة ستة أشهر ، مع التحفظ على القارب وإلغاء رخصة الصيد ، تم هذا كله وسط بكاء الشاب البدوي واتهامه لسالم بأنه المسئول عن كل ما جرى .
مرت الأشهر الستة ، وخرج سالم بعد أن تركه الشاب البدوي وأصبح وحيدا منشغلا في الإجراءات القانونية لإلغاء التحفظ على القارب وتجديد رخصة الصيد ، فكان له ذلك بعد شهر من الإفراج عنه .
عاد سالم إلى الصيد وحيدا دون رفيق ، وفي أول زيارة له لسوق الأسماك بعد خروجه ، جاءت إمرأة أجنبية عجوز ، ترتدي رداء أبيض قصيرا وعاري الكتفين ، وكان سالم يعرفها جيدا ، لأنها تقيم في المدينة مع زوجها منذ ثلاثين عاما ، وأنها تجيد اللهجات المصرية تماما ، بما فيها اللهجة الشعبية ، وبعد التحية سألته المرأة قائلة :
- عندك سمك شعور ؟
- لا .. عندي سمك حريد .
تقدمت المرأة خطوة نحو سالم ، ثم سألته وقالت :
- عندك بيض ؟
تعجب سالم .. ثم قال :
- البيض عند البقال .
إتخذت المرأة خطوة أخرى نحو سالم ، وعلى شفتيها ابتسامة ماكرة ، ثم همست وقالت :
- أنا عاوزة من البيض التاني .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى