صديقة علي - الباب...

اعترضت بشدّة ،مع علمها أن اعتراضها لن يغيّر من قراره شيئا. هي تعرفه حين يصمّم على أمر معين.
توقعت منه أن يبيع كلّ شيء إلا الباب.
- هل يوجد عاقل في الدنيا يبيع باب بيته .
(من حقّها أن يناقشها بما انها زوجته )قال في نفسه (لاسيما أنّها هي من ابتاعت الباب علّها تقتنع وتخفّف من حدّة غضبها). لكنّه لم يهدّأ من حدة صوته كي لايخسر معركته معها فصاح بها :
-وما حاجتنا للباب . هل ترين هذه الخرابة التي نعيش فيها تستحقّ هكذا باب خشبيّ .
أكثر ما كان يعقد لسانها، ويثير غضبها ، حين تضطر للسّجال معه بالبديهات ...
اخذت تدور حول نفسها ،وتكلّم اشخاصاً غير موجودين( تعالوا اسمعوا يقول ما حاجتنا للباب.)
كيف ساشرح لك فوائد باب البيت، وأنت عقلك لا يتجاوز التفكير بشراء ما بعته، وبيع ماتشتريه ،غدا ستبيع الفراش انت مهووس بالبيع.
أجاب بابتسامة حاول ان يبثها مع نظرات حانية
_
لا يا زوجتي الحبيبة، اعرف ماحاجتنا للفراش، و نحن ننام على السطح أغلب ليالينا فمن غير الممكن ان ننصب باباً يصل إلى السّماء، ثم أنني سأصنع باباً من الصفيح، وسيعجبك كثيرا ،
شعرت و كأن طبولاً تدقُّ برأسها، ستعود لباب الصفيح وضجيجه .
مضى إلى عمله وحاول أن يبدع بتصميمه قال بأنه سيترك فراغا بين طبقتين من الصفيح سيعطيه متانة ويعزله عن الخارج . ( الفراغ يمنح الأشياء متانة كالنفوس .وقد أحشوه بالفلين فالفلين قد يمتص الصدمات).
وأخذ يدقُّ الصفيح وهي تضع القطن بأذنيها كي لا تنهار أعصابها.
تعبت من ترحالها المستمر وماإن شعرت بأمان خلف باب خشبيّ يشبه ذلك الباب الّذي تركته مشرعاً على الدمار والدماء حتى هدأت روحها من فوران القلق كيف تستطيع ان تفهم هذا الزوج الأرعن مشاعرها تجاه الباب كم حلمت أن يغلق عليهما باب وكم رسمت أحلاماً بأقدام عارية تبدأ من عتبة الباب.
وكم أثارت فضولها القصص التي وشى بها باب مفتوح، والقصص الموؤودة خلف باب مغلق .
بنفس الغصّة التي ودّعت بها خاتم الزواج لتشتري باباً يستر فقرهما، ودّعت الباب الحلم، لكنّها استسلمت، و قررت أن تتأقلم مع باب الضجة هذا، بل عليها ان تصمّ أذنيها عمّا لا تستطيع اسكاته .
لكن قرقعة أقدامهم الهائجة فوق بقايا الصفيح المتناثرة أمام الباب كانت أكبر من أن تتجاهلها .بل كانت إنذاراً مرعباً ،جعلهما يقفزان من نافذة مهترئة مطلة على الوادي وهكذا نجيا من براثن وحوش الإرهاب وكلّما اقتربا من عمق الوادي كلّما ازداد شعورهما بالأمان بالقرب من نباح الكلاب البرية التي تتعالى مع أزيز الرصاص الّذي يلاحقهما من بيتهما و يستهدف دروبا ظنَّ الأرهابيون أنّهما سلكاها ،لكن هذا الدرب لم يكن معروفاً إلا لسلال العنب ،ولها ولجدّها،جدُّها الّذي أورثها هذا البيت، و ماتخيّلت يوماً يأتي وتقبل العيش به، فالحرب جعلته قصراً منيفاً في زمن التشرّد .
ومع الفجر كان الجرف يتناقص بصعودهما إلى القرية المقابلة، و انتظرا شروق الشّمس بحفرة أعدّت لاثنين امتزج دمعهما، وخوفهما، وتجمعت اشواك الدرب بأقدامهما، ومع ذلك همس لها (ممتنّ أنا لباب الصفيح الذي لم يعجبك) .رمقته بنظرة لائمة وهمست بصوتها المخنوق هذا ليس وقت إعلان انتصار فكرتك ،فنحن خسرنا البيت، والأمان ،وحتى الباب وأنت تشعر بالانتصار حقاً نحن شعب يصنع من هزائمه اكذوبة للنصر ).
أغضبه ردّها لكنّّه لم يتعلّم بعد أن يخفض صوته بحالات الغضب، لذلك آثر عدم الرد . عليه أن يفكّر كيف سيتجاوز تظاهرات متوقعة في قرية كانت ترسل هتافاتها المستفزّة إليهما كلّ صباح .
تأملت وجه زوجها بنظرة فيها من الريبة، والشّك وهي تحاول ان تقرأ أفكاره (ماذا سيبيع زوجي كي يتجاوز مانحن قادمون عليه ...)همّت بسؤاله، لكنّها خافت أن تذكّره بما تخشاه، فهي الآن كلّ ما يملكه .

صديقة صديق علي /سوريا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى