علجية عيش - أمين الزاوي ناقد تنويري كسّر بفكره و قلمه كل الطابوهات

لماذا اختار أمين الزاوي عنوان الخلاّن بدلا من "الإخوان" في روايته ؟

الروائي أمين الزاوي قلم حُرٌّ به يجدد الحرف و يحاول كسر كل ما هو طابو عكس الأقلام التي تخشى البوح في الوقت الذي تطعن في رفاق الإبداع وتكاد أن تنعتهم بالصغار و المراهقين، فالروائي أمين الزاوي اختار نهجا خاصا به في الكتابة و سرد الواقع و علاجه بطريقة نقدية لاذعة لكنها ضمن الحقائق التي يرفض البعض الكشف عنها فهل يمكن أن نصف أدب الزاوي بأدب الاختلاف فهو بكل بساطة لا يؤمن بالمجاملات و المدح المبالغ فيه عكس الذين ساروا على نهج من سبقوهم من أدباء البلاط الذي يجعلون من قلمهم وسيلة للاسترزاق، ما جعله موضع انتقادات و توجيه له اصابع الاتهام لأنه جعل من المذهب التنويري سبيلا لتحرير العقل البشري

332658146_1194189078123373_7472595535423284844_n.gif

انطلاقا من فكرة أن الكراهية هي نتاج غياب ثقافة المواطنة، فرواية الخلان لأمين الزاوي تجدد الحديث عن العلاقة بين الأنا و الآخر و هل بإمكان إحداث التعايش بينهما، بعيدا عن كل ما يسبب القطيعة بين الفكر و الفكر المخالف، فلكل كاتب اسلوبه في الكتابة و هو حُرٌّ في اختيار الزاوية التي يتناول منها فكرته و يحللها ، شريطة أن يلتزم بأدب الكتابة و الأمانة الأدبية ، فكل ما يقوله كاتب ما التاريخ يحسبه عليه، مهما كانت إيديولوجية الكتاب و المؤرخين وعقيدتهم الذي ضم الزاوي اسماءهم في روايته، "الخلان" فالزاوي كناقد معروف عنه بتحرره الفكري و هذه حالة النقاد الحياديين الذين ينتقدون الفكرة لا الأشخاص، و يتوجهون إلى من ينتقدون أفكارهم بعقلانية، و لذا نجده يبتعد عن كل ما له علاقة بالنرجسية و هو ما يلمسه القارئ في كتاباته عكس الذين يلهثون وراء الأضواء اللامعة و عدسات الكاميرا، الباحثين عن الزعامة و تجاهلوا ان الزعامة اعتبار و قدوة و ليست امتيازا، أولئك الذين يبحثون عمّن يمدحهم و يثني عليهم و يكتب عنهم بالبنط العريض في الصحف، إن الذين أفنوا حياتهم في الدفاع عن قضية الشعوب و الإنسانية كانت الكتابة عندهم رسالة و الرسالة أمانة يجب تبليغها قبل أن تتلفها العواصف و تغيّبها ، فأمين الزاوي يؤمن بحرية التعبير و التعدد الفكري و الثقافي.

إن مفهوم "الخلاّن" el-khillan يفتح الباب على مصراعيه للتأويل و التفكيك بحرية فهي تدعو إلى ارتباط الأنا بالآخر و نبذ الانقسامية ، هي دعوة لجمع الشتات العربي / الجزائري، وهي كما قال دعوة للتعايش والتسامح في وطن يسع الجميع و يتسع للجميع بغض النظر عن معتقداتهم وأعراقهم ولغاتهم، وهو الجزائر، الرواية حسبه تستعرض أحداث وقعت قبل الثورة التحريرية و التفاف رجال أحرار حول القضية الجزائرية ، رجال تصدوا للاستعمار من أجل تحرير الشعوب و رفع الظلم و محاربة الرق و العبودية و الإقطاع من هؤلاء الأب دوفال و هو شخصية دينية لكنه ينتمي إلى الاتجاه التنويري المناهض للاستغلال والظلم و لعل أمين الزاوي كان متأثرا بالمستشرقين التنويريين ، في نفس الوقت أظهر عدائيته لكل ما هو فاشي ( نازي) مقدما في ذلك شخصية غابرييل لامبير، المسيحي المتطرف، أراد أمين الزاوي أن يبني ازدواجية الرؤية المسيحية داخل المجتمع الجزائري، و مقارنتها بأسماء يهودية مثل أفولاي رشدي مسلم، فلا شك أن الثلاثة هم ابطال الرواية انطلاقا من لقائهم في ثكنة عسكرية بوهران، وعاشوا كالخلان أو الإخوة.

و الخلان كمفهوم يقودنا إلى الحديث عن إخوان الصفاء و خلان الوفاء، الفرق بين الخلان الذي تحدث عنهم أمين الزاوي هو أنهم يختلفون في فلسفتهم و رؤيتهم و حتى في "يوتوبياهم " لواقع الشعوب و للحياة ، حتى لو كان يجمعهم قاسم مشترك و هو مناهضتهم للاستعمار، إلا أن إخوان الصفاء يجتمعون على فلسفة واحدة و منهج واحد و عقيدة واحدة ، و هنا نتساءل إن كانت فلسفة أمين الزاوي مبنية على فلسفة إخوان الصفاء و هل هو متأثر بهم، ما جعله يختار "الخلان" عنوان لروايته، هل هو اعتراف ضمني بالإخوان الخلان؟ لا أحد له الحق طبعا في أن يشك في عقيدة الزاوي ، فهو مسلم لكنه ذا منهج تنويري يفكك المسائل من زاوية عقلانية و موضوعية منية على الواقع، يحاول تجديد الفكر و تطهيره إن صح القول، و ليس كل تنويري مجدد ملحدٌ بالضرورة ، إذا قلنا أن لقاء الثلاثة في وهران كما قال الزاوي جمعتهم سلطة دينية، و لذا أطلق عليهم الزاوي اسم الخلان.

الملاحظ أن أمين الزاوي آثر اسم "الخلان" على اسم "الإخوان"، الأول ( الخلان) هو مفهوم عقائدي و الثاني (الإخوان) مفهوم سياسي ابتكرته الجماعات الإسلامية في مصر قبل أن تستورده الجماعات الإسلامية في الجزائر بقيادة الشيخ محفوظ نحناح، لاسيما و أن الجماعات الإسلامية تبنت ذات يوم الخطاب المسلح سواء في مصر أو السودان أو تونس و حتى الجزائر، ثم أن الزاوي من خلال كتاباته يبدوا أن أحاديُّ اللون ، فهو يفضل لونا واحدا في التعبير عن آرائه، و لذا هو ينبذ ما يعرف بـ: "الوسطية " في الفكر و المواقف، لدرجة أنه يرى في الوسطية على أنها توأم التلفيقية، وهي أخت الانتهازية الناعمة، بل ذر الرماد في عيون العامة البسيطة، و هي في نظره ايضا التوجس الكبير من قول الحقيقة و هي اغتيال للقناعة الفكرية وهي آلة جهنمية لإنتاج ثقافة الخنوع الذي يلبس لبوس الاحترام الزائف والمنافق حيال السياسي والفقيه و المثقف ، بل هي عبارة عن حرب باردة ضد النقاش الجاد وضد صراع الأفكار المثمر.و ليست حربا على التطرف ، هكذا يتلاعب أمين الزاوي بالمفاهيم و المصطلحات و يوظفها توظيفا يتناسب مع كل ظرف و في المكان و الزمان

في كل الأحوال ففكر أمين الزاوي حسب النقاد هو رد فعل على العماء الفكري الذي طبع المجتمع العربي سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا ، أمام انهزام الأنظمة العربية أمام الفكر الاستعماري الأوروبي، و الملاحظ ايضا أن أمين الزاوي يستمد فكره من كتب التاريخ و الاجتماع و بخاصة الكتب التي رسمت المشهد الجزائري منذ الحرب العالمية الثانية الى عشية الثورة الجزائرية و بعد الإستقلال و بداية الصراع بين النظام و التيار الإسلامي، كان المجتمع الجزائري خليطا من الديانات و القوميات و اللغات و الثقافات و كذلك الطائفية وبالأخص في منطقة وهران و هو الذي ركز على هذه المدينة في روايته، لما تتميز به من خصوصيات، فهي التي احتلها الإسبان لمدة 300 سنة ( 1492- 1792 ) ، تأثر بها الجميع حتى الشعراء، لأن القضية كانت قضية قومية إسلامية، فكانت مرآة للرأي العام على حد قول المؤرخ توفيق المدني الذي أرخ لحرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر و إسبانيا.

يرفض أمين الزاوي توظيف الدّين في كل عمل ،سواء كان روائيا أو تاريخيا، كما يرفض توظيف الدين في السياسة و نجده في رده على محاوريه يدعو الشباب إلى قراءة التاريخ عن طريق الرواية في مشهده الحقيقي، المشهد المتنوع والمُعَقد من تاريخ الثورة الجزائرية، كما يفرق أمين الزاوي بين التدين والدين، و يرى الدين مسألة فردية أي أن الإنسان يظل إنسانا مهما اعتنق ديانة ما و فضلها على ديانة أخرى أو حتى إن كان لا دينيا ، و لذا هو يدعو إلى أنسنة الدّين و أنسنة الإنسان و أنسنة الحياة، طالما الإنسان تربطه مع المحيط كما يقول هو، مع الفضاء الذي يعيش فيه، قيمة المواطنة التي يعرفها، و يضيف أن ما يشغله أكثر هو فلسفة المواطنة و هو مطالب بأن يدافع عنها ، و هو ما دفعه إلى الاعتراف بأن الوطن قبل الدين، المواطنة قبل العبادة، و يطرح الزاوي سؤال لماذا؟ و كان جوابه أن الوطن هو الذي يجمع الديانات كلها، و يجمع المعتقدات و اللا معتقدات كلها، هكذا يقول الزاوي ، طبعا لا يمكن الوقوف معه أو ضده، فلكل قناعته الشخصية ، نحن مطالبون باحترامها طالما نسعى إلى تحقيق التعايش مع الآخر حتى لو كمان مخالفا، لكن نتفق مع الأغلبية بأن حبّ الوطن من الإيمان، و لذا لا يمكن لأيّ كان، أكان كاتبا أو ناقدا أو سياسيا أو رجل دين أن يطعن في قناعات الآخر، أو يكفره و يتهمه بالإلحاد أو بالزندقة طالما الأمر يتعلق بحرية الرأي و المعتقد و الموقف كذلك.

أمين الزاوي على خطى خلدون النقيب في مسألة المواطنة

يقول أمين الزاوي : "حينما تكون لنا ثقافة المواطنة فإننا نحمي ديننا ونحمي دين الآخر، حينما لا تكون لدينا ثقافة المواطنة فإننا ننتج ثقافة الكراهية، أنا لي ديني وأنت لك دينك، فنبدأ بالتنابذ والخصام"، الرواية حسب صاحبها إذن تدافع عن قضية أساسية وهي قضية الوطن قبل كل شيء، الوطن هو فضاء للجميع، وهو الذي يحمينا جميعاً على اختلاف الألوان العقائدية واللغوية إلى غير ذلك، و لعلنا هنا نقف مع آراء كبار علماء السياسة و الاجتماع و اتفاقهم على أن تنظيم العدالة الاجتماعية داخل نطاق دولة وطنية متوقف على ضمان ثلاثة حقوق و هي: الحقوق المدنية و الحقوق الاجتماعية و الحقوق السياسية، إلا أنهم أهملوا عاملا مهما جدا و الذي يعتبر الركيزة في الحياة ، ألا و هو " الدين"، باعتباره مصدر إزعاج بالنسبة لهم، هذه الحقوق حددها جون راولس john rawls و هو من أبرز المفكرين السياسيين في أمريكا في كتابه "نظرية العدالة" ، يقول راولس أن هذه الحقوق تعني الحريات المُكَرَّسَة في البلدان الديمقراطية مثل حرية التعبير و حرية الانتماء للجمعيات، أي حرية الشخص و حمايته من الضغوطات النفسية و من الاعتداءات الجسدية و الجنسية ، و حق حمايته من التوقيف و الاعتقال التعسفي، و حمايته أيضا من عنف النظام السياسي للدولة و تعسفها، و بهذه الحقوق يصبح هدف العدالة ضمان الحرية في أفق نظام حقوقي بنظم توافقية جامعة لكل الحريات الفردية، و هذا يعني تحقيق العدالة السياسية، التي تعطي للفرد حق المشاركة.

لقد أطلق جون راولس على حقوق المشاركة اسم حقوق المواطنة les droits de la citoyenneté، و حق المواطنة كما يرى هو لا تقتصر عند الحصول على حماية اجتماعية أو مدنية بالمعنى الشامل للكلمة، بل تتمثل في ضرورة حق اكتساب حق المشاركة الفعلية و الفعالة في صياغة القرارات التي تهدف إلى تنظيم الحياة الاجتماعية، اي ممارسة الحرية في المجال السياسي، لقد خاض كثير من المفكرين في الحديث عن إشكالية المواطنة و منهم جان مارك فيري في كتابه "فلسفة التواصل" ، دعا فيه إلى إعادة النظر في الخطاب السياسي و إضفاء عليه الشفافية، ما يمكن ملاحظته هنا هو أن الفرق بين راولس و الزاوي هو أن هذا الأخير يرفض كما سبق ذكره مبدأ الوسطية التي اعتمدها راولس في دراساته الملاحظة الأخرى هي أن المفكر أمين الزاوي يسير على نهج مفكرين آخرين من بينهم خلدون النقيب الذي يعتبر من أبرز المفكرين الذين بحثوا في مسألة المواطنة و ذلك في كتاب له بعنوان: " آراء في فقه التخلف"، حاول فيه إيجاد حل لمسالة الاندماج الوطني، يتحدث خلدون النقيب عن أطروحات حول المواطنة و أزمة الدولة القطرية في الوطن العربي و يدعو إلى تحديد مفهوم المواطن أولا ، ثم معرفة خصوصية المواطنة في الحضارة الإسلامية مع نقد النموذج التراثي للمواطنة، بقي هنا الإشارة إلى ان فكر أمين الزاوي على غرا ر من بسير على نهجه يلقى دوما العديد من الانتقادات من طرف ما يسمونهم بالمنفعيين إلى حد أنهم يتهمونه بالتطرف الفكري أو بالإلحاد.

علجية عيش بتصرف
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

الاستاذة الرائعة علجية عيش.. تحية وتقدير
قرأت مقالتك عن المفكر والروائي أمين الزاوي واعجبت بها لعدة اعتبارات أولها متابعتي بشغف مكين لكل ما يسطره من مقالات واعمدة وتدوينات، ولأصاله أفكاره، ودفاعه باستماتة عن ثقافة الاختلاف ايمانا مني بأنه لا فكر ولا إبداع بدون تكريس ثقافة الاختلاف، وقد لاقى في سبيل ذلك الكثبر من العنت والهجوم الشرس من طرف الاسلامويين.. ودواليب السلطة لأنه لم يقف يوما ضمن جوقة طباليها، ووقف دائما مع كلمة الحق، وساند المظلومين وسخر قلمه في المنافحة عنهم، واستضاف الاقلام الحرة والتنويرية
كل التقدير
 
أعلى