اتبعني ..أرجوك اتبعني..
قالت لي الفراشة.
لم أكن أفهم لغة الفراش و لا لغة الطّير..
لم أتبع في حياتي فراشة، حتّى و أنا طفل، فكيف و أنا شيخ قد أثقل الزّمن خطوي، و ذهب برونقي و حيويّتي!
كانت ساحرة، لم أر في حياتي أجمل منها، و لا أشدّ جاذبيّة.
كان لها جناحان جميلان، تزيّنهما دوائر ملوّنة جذّابة، تخلب الأبصار.
في حركاتها الرّشيقة المغرية المملوءة حيويّة و نشاطا، سحر جميل ربّما كان وراء اعتبارها رمزا للخفّة و الطّيش،
فجعلها أقرب إلى طباع الأطفال الممتلئين حركة و حبّا للمرح و اللّعب.
كانت تحوّم هنا و هناك، ثمّ تحطّ بالقرب منّي، تفعل ذلك مرّات و مرّات، و كأنّها تريد أن تقول شيئا.
عندها تهيّأ لي أنّها تطلب منّي أن أتبعها.
هذه المرّة، طارت ثمّ حطّت بعيدا، و بقيت تحرّك جناحيها السّاحرين في هدوء.
عندها..تحاملت على نفسي، و على حركاتي المتثاقلة بأعباء السّنين..
تحاملت على آلامي الّتي كانت تتكالب عليّ يوما بعد يوم، حتّى غدت لي رفيقا في ساعات الأرق الطّويلة،
و أنا أنتظر انبلاج الصّبح..
تحاملت على رغبتي في الهدوء و السّكينة و الاستئناس إلى المكان..
تحاملت على كلّ ذلك و رحت أتبعها، تجذبني تلك الدّوائر في جناحيها الجميلين و ألوانهما الّتي تأخذ الأبصار.
لم أعد أسمع جلبة الأطفال و لا صياح الباعة الجوّالين، و لا منبّهات السيّارات و هدير المحرّكات، و لا حتّى تغريد الطّيور.
كنت فقط، مشدودا إلى فراشتي الجميلة، أتبعها و قد غادرني كلّ شعور بالألم أو التّعب، بل و غادرتني كلّ الصّور و المشاهد من حولي، فلم أعد أرى سوى درب من نور، تطير فيه فراشتي و هي تسبقني بألوانها الجذّابة.
ظللت أسير.. و أسير، و كأنّي في حلم، إلى أن حطّت فراشتي الجميلة على قبر من رخام صقيل، يحيط به عشب أخضر جميل، و زهور مختلفة الألوان؛ حُفِرَ عليه ما يلي:
" هنا ترقد من أحبّتك دهرا و لم تعرها نظرة واحدة، ماتت و في قلبها لوعة الإهمال و النّسيان،
ماتت فتحوّلت روحها إلى فراشة، ظلّت تحرسك عند كلّ مطلع شمس.. ترافقك حيثما حللت ".
و أنا أقرأ آخر حرف ، غاب عنّي كلّ مشهد.. لم أعد أرى قبرا و لا رخاما صقيلا و كتابة و لا عشبا أخضر و لا زهورا.
لم أعد أراني .. و لكنّني لم أزل أرى فراشتي الجميلة، و فراشة أخرى ترافقها في درب ملئ نورا، و لا شيء غير النّور،
عندها أدركت، أنّ تلك الفراشة الثّانية هي أنا، و أنّني غادرت نهائيّا دنيا المتاعب، إلى عالم النّور الأبديّ.
15/08/2019
محمد الصالح الغريسي
قالت لي الفراشة.
لم أكن أفهم لغة الفراش و لا لغة الطّير..
لم أتبع في حياتي فراشة، حتّى و أنا طفل، فكيف و أنا شيخ قد أثقل الزّمن خطوي، و ذهب برونقي و حيويّتي!
- اتبعني أرجوك..
كانت ساحرة، لم أر في حياتي أجمل منها، و لا أشدّ جاذبيّة.
كان لها جناحان جميلان، تزيّنهما دوائر ملوّنة جذّابة، تخلب الأبصار.
في حركاتها الرّشيقة المغرية المملوءة حيويّة و نشاطا، سحر جميل ربّما كان وراء اعتبارها رمزا للخفّة و الطّيش،
فجعلها أقرب إلى طباع الأطفال الممتلئين حركة و حبّا للمرح و اللّعب.
كانت تحوّم هنا و هناك، ثمّ تحطّ بالقرب منّي، تفعل ذلك مرّات و مرّات، و كأنّها تريد أن تقول شيئا.
عندها تهيّأ لي أنّها تطلب منّي أن أتبعها.
هذه المرّة، طارت ثمّ حطّت بعيدا، و بقيت تحرّك جناحيها السّاحرين في هدوء.
عندها..تحاملت على نفسي، و على حركاتي المتثاقلة بأعباء السّنين..
تحاملت على آلامي الّتي كانت تتكالب عليّ يوما بعد يوم، حتّى غدت لي رفيقا في ساعات الأرق الطّويلة،
و أنا أنتظر انبلاج الصّبح..
تحاملت على رغبتي في الهدوء و السّكينة و الاستئناس إلى المكان..
تحاملت على كلّ ذلك و رحت أتبعها، تجذبني تلك الدّوائر في جناحيها الجميلين و ألوانهما الّتي تأخذ الأبصار.
لم أعد أسمع جلبة الأطفال و لا صياح الباعة الجوّالين، و لا منبّهات السيّارات و هدير المحرّكات، و لا حتّى تغريد الطّيور.
كنت فقط، مشدودا إلى فراشتي الجميلة، أتبعها و قد غادرني كلّ شعور بالألم أو التّعب، بل و غادرتني كلّ الصّور و المشاهد من حولي، فلم أعد أرى سوى درب من نور، تطير فيه فراشتي و هي تسبقني بألوانها الجذّابة.
ظللت أسير.. و أسير، و كأنّي في حلم، إلى أن حطّت فراشتي الجميلة على قبر من رخام صقيل، يحيط به عشب أخضر جميل، و زهور مختلفة الألوان؛ حُفِرَ عليه ما يلي:
" هنا ترقد من أحبّتك دهرا و لم تعرها نظرة واحدة، ماتت و في قلبها لوعة الإهمال و النّسيان،
ماتت فتحوّلت روحها إلى فراشة، ظلّت تحرسك عند كلّ مطلع شمس.. ترافقك حيثما حللت ".
و أنا أقرأ آخر حرف ، غاب عنّي كلّ مشهد.. لم أعد أرى قبرا و لا رخاما صقيلا و كتابة و لا عشبا أخضر و لا زهورا.
لم أعد أراني .. و لكنّني لم أزل أرى فراشتي الجميلة، و فراشة أخرى ترافقها في درب ملئ نورا، و لا شيء غير النّور،
عندها أدركت، أنّ تلك الفراشة الثّانية هي أنا، و أنّني غادرت نهائيّا دنيا المتاعب، إلى عالم النّور الأبديّ.
15/08/2019
محمد الصالح الغريسي