مليكة مستظرف - اختناق.. قصة قصيرة

حذروني.أخبروني أن ركوب الحافلة رقم “3″ مغامرة غير مأمونة العواقب.الداخل اليها مخنوق والخارج منها مسروق. لكنني ضحكت و أصررت بغباء عجيب أن اخوض هذه التجربة.قطعت تذكرتي من شباك التذاكر وأخذت أنتظر.ربما لو سافرت الى اي قطر عربي لوصلت قبل قدوم الحافلة الميمونة. وما أن هلت بطلعتها غير البهية حتى اتجه اليها فيضان من البشر, يتدافعون بالمناكب و الارجل, و هناك من اختصر الطريق, وقفز بحركات بهلوانية من النافذة. لا أدري كيف وصلت الى قلب الحافلة.كل ما اعرفه أن جسمي كان محشورا بين عشرات الاجسام, لم أكن أمشي, لكن كيف وصلت؟ لا أعرف. كان أمامي امرأة تضع على ظهرها طفلا في حوالي الرابعة غير مبال بما حوله, يقضم اسفنجة مملوءة زيتا, ويلعق بين الحين والاخر بشهية ذلك المخاط الذي يسيل من أنفه. عن يساري شخص ما تنبعث منه رائحة عرق تبعث على القيء و الاغماء.ومن
خلفي كان شخص آخر يلتصق بي بشكل غريب. كنت أحس بأنفاسه تحرق أذني. الحافلة كانت كسلحفاة عجوز هدها الزمن, و السائق يقف عند كل محطة ليصعد عشرات من البشر. لاأدري كيف تستوعب هذه الحافلة كل هذا العدد الهائل .مازالت أنفاس الرجل قرب أذني,حاولت الابتعاد قليلا.لكن الزحام…الاختناق, ورائحة العرق والضراط.وازداد احتكاك الرجل خلفي بشكل واضح, والسكوت أكثر من هذا أن اللعبة قد أعجبتني.ياأولاد الكلب حتى في الحافلات؟
يا أخ..يا هذا..ابتعد قليلا عني..عيب ما تفعله, هناك أماكن كثيرة أكثر راحة من هنا يمكنك أن تفعل فيها هذا..
انا لا أفعل شيئا.انه الزحام, ثم أنا كذلك شخص ما ملتصق بي من الخلف وأنا صامت لا أعترض.
هذا شأنك, اذا أعجبتك اللعبة واستحليتها, لكن أنا لا.
اذا لم يعجبك الامر انزلي و خذي تاكسي
سرت همهمة في الحافلة, لغط و سب وشتم. صاح السائق
الصمت أو أحول الحافلة الى أقرب مركز شرطة.
يا الهي , أريد أن أنزل.أي شيطان أملى علي ركوب هذه الحافلة اللعينة؟ توقفت السلحفاة للمرّة العاشرة. لا لم تعد سلحفاة, أصبحت وحشا خرافيا يلتهم هذه الاعداد الهائلة من البشر.
سمعت صوتا, لانني كنت محشورة بين ذلك العدد الهائل من الركاب, فلم أستطع رؤية لا من في المقدمة ولا من في المؤخرة.
خوتي, اخواتتي..أنا رجل معطوب, وعندي عشرة ديال الاولاد..و ما عندي ما نوكلهم.. صاح صوت آخر معطوب وفقير يا ولد الكلب و تنجب كل هذا العدد؟ انك تستحق الشنق لا الحسنة…
الاغنياء يقتلون الوقت في النوادي و السفر, والمزلوطين يقتلون الفراغ بين أفخاذ زوجاتهم أو يلعبون الضامة. أنا أعرفه, انه يسكن في درب غلف.غير متزوج, وكل مرة يأتي بحكاية جديدة يستدر بها عطف الناس.
رائحة العرق و الضراط, وهذا الطفل أمامي ما زال يلعق مخاطه بتلذذ يبعث على التقزز, والحيوان خلفي ازداد لهاثه بشكل مخيف, و بدونشعور صرخت,أريد أن أنزل. وأخيرا نزلت. لاأعرف أين باضبط, لكن لا يهم. ملأت رئتي بالهواء.حقيقة كان هواء
ملوثا, لكن أفضل مائة مرة من هواء الحافلة.
أشرت لسيارة تاكسي. حمدت الله انني وصلت الى البيت. وعندما أردت أن أدفع الأجرة اكتشفت أنه لا وجود لحافظة نقودي, لقد اختفت من الحقيبة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى