محمد بقوح - الجذور.. قصة قصيرة

عدت. ليتني ما عدت. كنت هناك بألف خير. بمليون خير. ما هكذا يستقبل أبناء البلد الحرّ. لست أدري ما الذي غير بلدي أو بالأحرى أهل بلدي، إن كان يحق لي أن أتحدث عنه بضمير المتكلم. قبل العودة كنت أحترق شوقا لوضع قدمي على هذه الأرض السعيدة، لكنني اليوم اكتشفت وتأكدت بما لا يدع مجالا للشك بأنني كنت واهما، وبأنه لا سعادة هنا ولا مولاي بيه.. غير دفع وزيد لقدام كما قال الغيوان سابقا. لغة العنف والتلصّص المتخلق والصمت القاتل هو العملة الشائعة هنا بين كافة فئات الناس، فرادى كانوا أو جماعات.. الكل يعيش على القمة المطلقة لأعصابه المشتعلة، من الشخص البسيط الملقى به لقدره في الشارع العام، إذا كان عاطلا عن العمل طبعا أو عاطلا عنه بالمعنى الضمني، إلى الشخص المسؤول في إحدى مناصب الدولة المشاعة لكل من هبّ ودبّ. لكن، ربما غيابي السابق هو الذي أتاح لهؤلاء الشلاهبية وقطاع الطرق أن يفعلوا في بلدي كل هذا التدمير والتخريب والتجريح المُدمي الذي نعاني منه اليوم. إذن، أنا من ارتكب الخطأ الكبير حين خرجت، وغادرت أرضي ووطني، وليس هم، أي الذين يحتلونها الآن بطريقتهم الخاصة. كنت شابا يافعا عندما اخترت مضطرا الهجرة إلى بلاد الأنوار لظروف مادية.. غير أنني لم أقتنع أبدا وأنا هناك أنني حر فعليا، وتحت بسط الأنوار المزعومة، حتى وإن كانت شروط عيشي جدّ سهلة ومريحة وفي منتهى الرفاه الذي لا يحلم به وزير. كنت أعيش هناك كما يعيشون هم هنا، بكذبة بيضاء نافعة..، لكن بدون جذور، وعار من الانتماء، رغم أنني أعيش كإنسان. لكن، كنت في أمس الحاجة إلى حضن وطني يرمّم كسور فراغي الداخلي. لهذا، أنا هنا الآن في وطني المشروخ الوجه، لكن يبدو أنني الآن مطالب بالتصدي لهم، ومقاومتهم حتى آخر نفسي.. لا يهمّ، إن عدت جدّ متأخر عن موعدي الذي كان يجب أن أعود فيه. المهم أنني عدت الآن.. وعدت كرجل كاهل يقظ، لأبقى هذه المرة إلى نهاية أنفاس هذه المعركة المقيتة، إن كانت لها نهاية..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى