طلال الطيب - ســــدوم !

في الخمارة رأيت رجلا يحدثنا عن العشق الصحيح .عن العشق الحلال ,عن العشق الطبيعي .قائلا:
- الجنس جزء من الحب ,الجنس قمة العطاء . لأننا نريد أن نقدم لجرثومة الحياة فرصة للحياة ,من حق الحياة أن تسمع أناشيد الصغار .
أعجبني هذا الرجل ,أحببته وشعرت بالرغبة في أن أبتسم في وجهه وأن أقول له : أنا أحبك . ثيابي أنيقة ,عطري فواح ,جسدي رشيق قوي العضلات أه لست مثل النساء أجسادهن شديدة الرقة مثل الزبدة وأصواتهن ساذجة عند النشوة وعيونهن شبقة مثل الذئاب الجائعة .

وأخذ ذلك الرجل بصوته العميق يهز جوعي إليه ,حاجتي لضمه إلى صدري.
_ إذا عشق الرجل رجلا . هذا غير طبيعي وهذا فعل فاحش يغضب الرب .
أخذت أشرب النبيذ الأحمر ولم أثمل بعد مازلت أشعر بذلك الرجل العاقل الحكيم ينفخ في النار داخلي ,صوته يغرد في قفصي الصدري .قال :أن يعشق الرجال بعضهم أمر غير طبيعي .! وهل العشق أمر طبيعي إنه سم مدسوس في لحم الحياة وفي خمرها أيضا .أه لأسف سئم عاشقان كلامه ونصائحه القاسية فخلعا ملابسهما وأمامه صارا قطعة لحم واحدة تتنفس عشقا معتوها ومجنونا ,وفي غمرة نشوة المنظر صرخت وأنا أرفع كأس النبيذ :
- بصحة النساء القبيحات . ليضاجعهن الشيطان ولنضاجع نحن بعضنا .كل رجل وضع تحته غلام أو صعد فوقه غلام . الرجال في الشوارع وداخل البيوت في دوامة مجنونة من العشق الجائع .

وسخرت من النساء المسكينات وهن يراقبن الفحولة تختار أنانيتها وطغيانها المفتول العضلات ,وبحثت عن ذلك الرجل في كل شوارع مدينة (سدوم ) . ووجدته أخيرا يبكي بحرقة كان جسدا من الأسى والحزن ووجهه الجميل فيه أشواك الأسف والحسرة وعيناه تنظران إلى السماء بخوف وإشفاق ويداه مرفوعتان نحو السحب وكأنه يدعوها أن تنزل وتأخذه من أهل هذه المدينة التي لم يستوعب عشقها .

وحتى وهو في تلك الحالة شعرت برغبة قوية في أن أقول له :_ يا سيدي أنت نصف روحي الأخرى , أنا أحبك
فشعرت بالخجل من نفسي هل أنا أناني إلى هذه الدرجة ؟. معشوقي الأن جرح نازف علي أن أعالجه أولا . قلت له :_ سيدي . هل أنت بخير ؟.

نظر إلي وكأنني رجل يتألم ,رجل تشتعل فيه النار . فتبسم قائلا :
_ نعم أنا بخير , أنت ذلك الرجل الذي شرب نخب زواج مضاجعة الشيطان للنساء في محل الشراب صحيح ؟!.
حاولت أن أخفي حماسي :
_نعم !.
_لاحظت بأنك رجل تجيد الإنصات وتهتم بالحكمة .
_نعم , أعجبني ما قلته ,من النادر أن يفكر الرجال في مدينة
سدوم ., فكلنا هنا سكارى ومعربدون.
_أه ,نعم معك حق . لكن أنت , أنت هل أتيت لتعلم الحكمة ؟.؟

الشجرة التي كنا نجلس تحتها ظليلة وباردة ومظلمة بعض الشيء ,أوراقها هادئة رغم أن هناك نسيم قوي يحوم حولنا , تأملت وجهه الجميل ويديه الخشنتين ,كان رجلا مختلفا عندما تنظر إليه تشعر بلذة التأمل وبهجة الإكتشاف .خفق قلبي بقوة شعرت بأن تلك اللحظة مناسبة لإعلان محبتي له ,أردت أن أخبره بأني أريد أن أكون معه كما ولدتني أمي ,معه تحت هذه الشجرة ولكني شعرت بالرعب وقلت له :
_نعم, أنا أريد أن أتعلم الحكمة منك .
_إذا إسمع مني .
أول درس تعلمته هو عن الله . إن الله وحده لا شريك له وهو خالق الكون .,والدرس الثاني هو (المحبة هي لله وحده فقط لأنه المتصف بالكمال وكل المخلوقات ناقصة ولايجب أن يحب الناقص ناقصا لأن مثل هذه المحبة لا تكون كاملة أبدا .
قلت له : فهمت .
قال لي : وداعا عش نقيا وتزوج النساء كن مؤمنا لا تنسى ذكر الله .

دخلت مدينة سدوم . أصبحت مدينة مختلفة ,عنفتني شوارعها وبيوتها وحاناتها المألوفة والقديمة مثل عجوز شمطاء كانت تبصق في وجهي تطردني وتعنفني بالحجارة والذبالة وأبشع الألفاظ .كرهت مدينة سدوم . في ذلك اليوم , أصوات إصطكاك الأجساد وفرقعة القبلات جعلتني أشيخ دهرا في الحزن وفي بركة بول سكير رأيت صورة وجهي ,رأيت فرحة تعطيني ظهرها وحزنا مبتسم ,رأيت الحكمة في داخلي شعرت بلذة التأمل وبفرحة الإكتشاف .
دخلت بيتي وجدت إمرأة تسرق حاجياتي ما إن نظرت إلي حتى إرتجف جسدها الحلو رعبا وخوفا ,قالت :
_أنا جائعة .
قلت لها :

_وأنا أيضا , أنا عندي قطعة لحم وزجاجة من النبيذ وخبز وجبن وماء بارد وأنت ؟
قالت : ليس لدي شيئ غير نفسي .
قلت لها :
_ أنت تملكين كل شيئ أنت البئر الذي يسقي هذه الدنيا .يشبع جوع الموت للحياة أنت إمرأة وهذا يكفي .
تبسمت وإبتهجت حدائق الورد في وجهها .,وفي سحابة القطن أخذنا نحلق معا ,شعرنا بالبرد إحتضنا أنفسنا أكثر قلت لها :
_ حبيبتي أشعر وكأننا نطير في السماء هاهي النجوم تدخل عبر النافذة ,بل أشعر وكأن المدينة كلها تطير في السماء ,هل هذه أنت أم إنها الخمر ؟!.

قالت لي :
_حبيبي أشعر وكأن هذه الغرفة قلبت رأسا على عقب . هل أنت فوقي أم أنني تحتك . أم أنك دخلتني عبر كل مسامات الجسد . بل كأن المدينة كلها قلبت رأسا على عقب . لم أعد أشعر بشيئ الأن .لكني أسمع أصوات النجوم تنهمر على كل أهل مدينة كما المطر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى