إبراهيم محمد عامر - الكرسي.. قصة قصيرة

كان الزوج نجارا والمرأة ربة منزل . يمضي نهاره في الورشة القريبة من المنزل , بينما ترقد هي فوق الفراش – عاجزة عن الحركة – وهكذا تمضي الأيام الأخيرة لهما .

قالت ذات مرة بينما يدها تقرب حبات الفراولة ألي فمها :

ـ والله ما كان له لزوم , البيت مليان فاكهة !

فيقول بأن زيادة الخير خيرين .

ويتأمل الكرسي الخشبي الذي ينقلها أليه بين الحين والآخر حين يجلسان في البلكونة , ويقول بأنه وجب تصليحه فقد أصاب قاعدته الخشبية الشرخ , ولا تفلح محاولتها لثنيه عن إحضار الشاكوش والمسامير وقطعة من الأبلكاش التي تصلح لسد الشقوق الواضحة .

وتقول :

ـ حتي في يوم أجازتك !

يستمر في الدق دقائق , ويقيم بعينيه الإصلاحات في الكرسي .

ثم يقول في فرح :

ـ أهوه يا ستي كأنه من جديد .

تشكره وهي خجلة , بينما يقول هو بأنه لولا ضيق الحال لأشتري لها واحدا جاهزا خيرا منه , فترد مبتسمة :

ـ خيرك سابق .

هكذا تذكرت وهي تراه ذات يوم راقدا في الفراش دون أن يتقلب كعادته , وقد لفت نظرها أن صدره النحيل جدا قد توقف عن الصعود وعن الهبوط ...

ولم تستوعب ما جري في الأيام القليلة الماضية من الجلبة في البيت الصغير , ولم تفهم سر الناس الكثيرين الذين أتوا للتعزية , فكانت تقول :

ـ وهو مين قال أنه مات ؟! دة كان لسة معايا من ساعتين يا ولاد !

وقد أصرت أحدي البنات الاتي غبن في بيت أزواجهن علي البيات معها ريثما تطمئن علي حالها , وكانت تصر علي أنه لا اطمئنان ولا نيلة فأنا زي الفل , وأبوكم كلها ساعتين وراجع !

فتبكي الفتاة وتحتضن أمها في حزن , بينما المرأة العجوز القعيدة قد غربت عيناها وشرقت دون أن تعي مما يدور حولها شيئا .

وذات عصرية أفاقت الأبنة التي بذلت جهودا كبيرة في اليومين السابقين من غفوتها القهرية علي صياح أمها . كانت تهتف في غضب :

ـ ودوني البلكونة ؟ بقي له كام يوم ما ودنيش جوا .. هو زعلان مني ولا أيه ؟!

فأسندتها الأبنة بصعوبة بالغة علي الكرسي الخشبي , ثم جرتها بصعوبة أكثر ألي البلكونة . أرتمت علي الأرض تشهق في ضعف وتعب بينما الأم تنظر ألي الشارع الضيق الذي أقامت فيه منذ خمسن سنة وأكثر .

وفجأة هتفت :

ـ بت . أنزلي ألحقي أبوكي !

فهبت المسكينة في دهشة , ونظرت حيثما أشارت المرأة العجوز بأصبعها . كانت المرأة تشير بإصرار , وتكرر نداءها بصوت أعلي :

ـ يا بت أنزلي هاتي أبوكي دة شكله تاه عن البيت ؟!

فظلت تردد في طاعة من تربت جيدا منذ ثلاثين سنة :

ـ حاضر . حاضر يا أمه .

ولم تجرؤ أن تقول أنه حيث أشارت هي لا يوجد أحدا علي الأطلاق ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى