أسماء الزرعوني - دهشة المطارات.. قصة قصيرة

نظرت من نافذة الحافلة، اندهشت من الصف الطويل المتعرج أمام إحدى بوابات المطار تنهدت بعمق وأنا أفكر كيف أتحمل متاعب المطار مع أطفالي وكلي شوق ولهفة أريد أن أطير على أجنحة السرعة. شهران وأنا بعيدة ..لا أنكر أنني استمتعت بهذا البلد الجميل ولكن شوقي إلى بلدي يفوق كل شيء ..نزلنا من الحافلة ورذاذات المطر تودعنا ببطء ..حاولت ناظري بمناظر الطبيعة الخلابة قبل دخولي صالة المطار ..فجأة لاحظت صوت زوجي يعلو (هذا استغلال ،أنتم تعرفون كيف تستغلوننا!

قلت مندهشة ما بك؟

-تصوري هذه المسافة البسيطة يطلب مني خمسين دولاراً.

مازحته وقلت لا تزعل إنه آخر يوم لنا هنا

-هذا الخطأ الذي نرتكبه نحن عندما نسافر فكل الناس يعتقدون أن كل خليجي يمتلك بئر بترول في منزله.

ابتسمت وأنا أقول له تصور أنهم فعلاً يظنون هذا حتى أن أحدهم قال لي وأنا أتسوق.

حملنا حقائبنا وزوجي يستعجلني وهو يحمل هم هذا الصف الممتد، دخلنا صالة المطار ووقف زوجي في الصف لكي يكبل إجراءات السفر.. درت بعيني في كل اتجاه لكي أبحث عن مكان نجلس فيه. الازدحام في كل مكان.. الأنفاس والأجناس تختلط.. هناك امرأة كبيرة تعانق ابنها الشاب، وهو يمسح دموعها.. جذبني منظر طفلة صغ يرة تحتضنها أمها بحرارة، قالت الطفلة يا أمي لا تتأخري كثيراً، أحضري لي عروسة وفستان أحمر.

أحدهم كان جالساً على أحد المقاعد والدخان الكثيف يحلق على رأسه لا أعرف كم علبة سجائر أحرقها إلى الآن، كل هذه المشاهد تمر أمام عيني وأنا أنتظر زوجي حتى يصل إلى أول الصف.

بينما كنت أتأمل الوجوه إذ برجل يميل لونه للسمرة يقارب الأربعين من العمر يحمل طفلة ويمسك بيده طفلاً آخر يتلفت في كل ا تجاه وعلامات الحيرة والقلق واضحة في تقاطيع وجهه، كان منظره يجذب الانتباه كأنه يبحث عن شيء ضاع منه.. يقترب مني، يخطو خطوة ويتراجع.. اختلط وجهه الأسمر بالاحمرار وكأن الدم ا نحبس فيه في ملامحه، جاهد أ، يفك القيود من أطراف لسانه، كان يتمنى إشارة مني حتى يبدأ الكلام، تعجبت من تصرفه والإلحاح الداخلي يدفعني إلى السؤال، وأخيراً تشجعت:

-هل من مساعدة؟

وكالمفزوع اندفع نحوي وهو يقول:

-نعم أرجوك أن تساعديني.

استغربت وحادثت نفسي ترى ما المساعدة التي يريدها؟ ماذا لو رآني زوجي وهو يحادثني، لم أبالي بالأسئلة فضولي أكبر لم أستطع حبسه أكثر من ذلك.

-ماذا تريد؟ لاشيء ،فقط تحتفظين بالطفلين حتى أ،هي إجراءات السفر.

اجتاحني ذهول وتضاربت أفكاري ،لم يمهلني، ألقى بالطفلين وانصرف. تسمرت عيناي والأسئلة تمور في خاطري، انتهيت على صراخ الطفلة ..لاعبتها لم تسكت لقد غلبها الجوع. سحبت الحقيبة التي وضعها الرجل بقريب وإذا بها الحليب وبعض الحلويات أخذت زجاجة الحليب وضعت الطفلة في حضني وأرضعتها وابنتي كانت تلاعب الطفل، فالطفل كان هادئاً وأنا أرضع الطفلة كنت أبحث بعيني عن الرجل حتى لا يختفي عني وجدته يقف أمام الهاتف العمومي القريب مني كان صوته عالياً حاولت أن أسترق السمع كان يتكلم بلكنة خليجية.

-يمه أخذت الأطفال معي، انتظريني في المطار.

أدرت وجهي حتى لا يلاحظني وداخلي أتون يغلي فأنا لا أعرف سر الرجل. بقيت مع الأطفال حوالي ساعة وزوجي قد وصل إلى أول الصف، لقد تعبت عيناي أديرهما في ناحيتين أراقب زودب وأراقب الرجل، تري من يأتي قبل الآخر، وإذا جاء زوجي ماذا أفعل بالطفلين وماذا أقول له؟ تملكني القلق والحيرة.. دب الارتياح في نفسي عندما جاء الرجل وعلى وجهه ابتسامة خفيفة.

-شكراً لك يا أختاه أعطيني الطفلين.

-لقد احترت بأمرك يا أخي ما بال الطفلين؟

إنهما طفلاي. لم يدعني أكمل حديثي، أعرف أنك تريدين أ، تسألي عن أمهم، الآن يمكنني أن أخبرك فبعد لحظات سأتجه إلى الطائرة وأنا مطمئن. إن زوجتي من هذا البلد لقد عاشت معي سنوات هناك وعندما جئنا إلى بلدها رفضت أن ترجع معي فهي لا تريد العيش في بلدي والفنون في بلدهم يقول إن الأطفال من حق الأم وأنا لا أريد أطفالي يعيشون هنا، أخبرت أمهم بأنني سآخذهم إلى نزهة واتجهت إلى المطار، قالها وسار في اتجاه الطائرة.

جاء زوجي ليوقظني من شرودي وأنا أردد مسكينة هذه المرأة، كيف ستصبر على فراق أطفالها؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى