بانياسيس - الديموقراطية كأيدولوجيا..

الديموقراطية أو حكم الشعب لذاته منهج أخذ بهرجه الخاص في المرحلة الراهنة. أغلب المؤلفات العلمية تعاملت مع الديموقراطية كأسلوب سلمي لتداول السلطة. هذا يبدو سليما لأول وهلة ، لكن لو تعمقنا في رؤية مظاهر الديموقراطية باعتبارها عناصر ، فيمكننا أن نكتشف بعدا جديدا لهذا المنهج وهو بعد نظري هام. فالكثيرون تحدثوا عن ثقافة الديموقراطية وهم يقصدون في الواقع ليس قبول الرأى الآخر وإنما تبني حالة ليبرالية واسعة تجاه وجود الآخر نفسه. وعندما يؤشر الى قبول رأي الأغلبية ؛ فهذا يعني قبول وجود متجاور مع الاختلاف . وعندما يتم الحديث عن سلمية تداول السلطة فهذا يعني قبول بتقديم تنازلات تخلخل مسلمات مبدئية تقف عليها قناعاتنا المتباينة. هنا يمكننا أن نرى بوضوح التمفصل بين الديموقراطية كصادر اعلامي رومانتيكي للشعوب ؛ وبينها كنظرية تقف حذاء النظريات الأخرى وتتفاعل معها تقابلا وتقاطعا ؛ فهي ليست كما يظن إطار شكلي فقط يعمل على التنسيق بين ما يحويه من توجهات ويقف منها على مسافة واحدة.
هذا اختلاف مهم جدا في نظرتنا وفهمنا للديموقراطية لمعالجة فشل العديد من الديموقراطيات في العالم الثالث. كما أن هذا الفهم الجديد للديموقراطية يمنحنا معطى input يمكن من خلال صناعة تطبيقات functions للتحكم في ديناميكية الديموقراطية. فلنلاحظ مثلا ذلك التحمل المذل لبعض الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة لاجبارها على التواجد داخل تلك الدائرة الديموقراطية. فأحزاب مثل يهودي هتوراه ، مفدال ، يسرائيل بيتينو في اسرائيل ، أو أحزاب مثل الإخوان المسلمين والسلفيين وأحزاب أوروبا اليمينية المتطرفة لا تمارس الديموقراطية بقدر ما تمارس ضبط النفس عالى المستوى high-level لمجاراة بيئة الشغل. هذا يبرهن لنا عن حقيقة التخوفات المشروعة للأحزاب المعتدلة تجاه فوز أي حزب يميني في العملية الديموقراطية كما كان وحدث عندما فاز النازيون في ألمانيا سابقا. كما أن فهمنا للديموقراطية ليس كمنهج تنسيقي بقدر ما هي آيدولوجيا يكشف لنا أسباب انقلاب تلك الأحزاب على الديموقراطية كما في تركيا أردوغان أو شروعها في التمكين تمهيدا لوأد الديموقراطية نفسها كما في مصر أو تحولها إلى كتل إرهابية مسلحة تنتج انفلاتات أمنية حيثما حلت.
هذه النظرة الجديدة والواقعية للديموقراطية لا تحاول قلب الصفحة على طوباوية الديموقراطية ومخيالنا المتغنج حولها رغم أنها تنزع عنها قداسة موهمة وفي نفس الوقت تمكننا من رؤية الوجه الرمادي منها بدلا على الانكباب على إلقاء اللوم بشكل مستمر على القوى المهددة لها. نحن إذن نضع النقاط فوق الحروف لا أكثر ؛ تمهيدا لبحث الديموقراطية كمشكل وليس كحل ، نزعا منا نحو أمرين:
- إعادة بناء فلسفتنا للديموقراطية.
- تصحيح وجهة مسارها.
وهكذا نعمل على تحسينها هي وبيئتها التشغيلية. ومن ثم نتجنب انهيارها مستقبلا والعودة لخط الصراع المسلح أو سيطرة الشمولية (يسارية أو يمينية) على مفاصل السلطة.
نستطيع عبر هذه الرؤية الجديدة أيضا أن نجد آليات ناجعة لخطابنا كديموقراطيين بحيث تكون مؤثرة بشكل جوهري على الآخر الراديكالي... إن فرض الديموقراطية كنسق عليهم لا يفضي إلى سلام سياسي بل يفضي في الحقيقة إلى كمون وهدنة غير معلنة فقط.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى