محمد عبد الرحمن يونس - الأم.. قصة قصيرة

ظلّت تدعو الله سنين كثيرة.. ولم تترك ولياً من الأولياء الصالحين إلاّ وزارته , وقدّمت له البخور والمجامر والكبريت.

وعندما عدت من بلد ناء خلف البحر، قالت: جلبتك صلواتي يا جاحد، يا ناكر ، يا ناسي الحليب واللبن.. ومع الأيام سرعان ما تشكّلت غيمة،و جبل من نار بيننا. وتذكّرت أنّها أرضعتني مازوتاً وكيروسيناً. أهو الحليب أم الدفلي؟.. نسيت الحليب والثدي، ولا زالت بقايا أشواك الصبّار.

كانت تقول لي مرّات كثيرة: يا ليتني لم ألدك.. ليتني متّ يوم ولدتك.. أنت عاق. توقّعتها يوم كنت طافشاً في بلاد الأعراب والأغراب الموحشة الضيقة قادرة على صنع الأشرعة, فأرسلت لها قماشاً أبيض من أمستردام, وثوباً من الشانزي ليزيه، لكنّها مزّقتهما, لأنّهما من صناعة بلاد الكفار، البلاد التي حاربت المسلمين وفتكت بهم ولا تزال تفتك .

كان أشدّ ما يزعجها الحديث عن المرأة والجنس.. كانت تتهمني بالفجور والفساد، وتتهم صديقاتي القليلات بالعهر والدناءة.. وكانت تسألني دائماً عن أحوال الدنيا والعباد، فأحدّثها عن علاقاتي مع بعض نساء البلدان التي أزورها, وعن جوعي وفقري ونومي على أرصفة الشوارع, وتحت أقبية المترو، وعن غربتي الكلبيّة, وعن وطني الذي يتّمني, فتحترق أعصابها وتصيح: يا كافر .. يا زنديق.. أبوك قديس ، وجدك ولي من أولياء الله, وجدّ جدك بنوا له قبّة ومنارة, وقريباتك من أطهر نساء المعمورة , وأعرقهنّ حسباً ونسباً. وكنت أتاملهنّ جيدا , فلا أرى إلا طبولا جوفاء, وسنين عجافا, وقحطاً وبواراً , وغرورا كاذباً, وطهارة روح زائفة, وعنجهية ترتع في أسمالها البدوية والقبليّة والطائفيّة والعشائريّة .

كانت باردة كالعجين , وتكره جميع الرجال, باعتبارهم خنازير بريّة، ومتوحشين جنسياً, ولا يكتفون بإمرأة أو جارية مهما كانت جميلة وشهيّة, ولا تشبعهم كل نساء الأرض ـ على حدّ تعبيرهاـ وعلى الرغم من أنّها تبجّل والدي تبجيلا منقطع النظير, إلاّ أنها لم تكن على وفاق جسدي معه, وكانت في أحيان كثيرة تفتعل الخصومات , محتجة بأنّها ضلع أعوج, ولا تعطى المكانة اللائقة بأجدادها الغرّ الميامين.

لا تزال بقايا الطفولة البعيدة تهبّ كالسنبلة في ذاكرتي. وكانت تصرّح سراً وعلناً: بالناقص من الرجال، ليذهبوا إلى الجحيم, لولا أنهم يزرعون الأطفال الوسيمين في أرحام النساء لكانت الخنازير أفضل منهم.

وقال لي والدي: إنّ طاقاتها الجنسيّة قد ماتت منذ عشر سنوات، بعد أن أجرى لها طبيب جرّاح فاشل ، تخرّج في جامعات المعسكر الاشتراكي, عمليّة جراحيّة خاصّة.

أذكر مرّة أني اصطحبتها لزيارة أصدقاء لنا، وعندما وضعوا شريط فيديو لفلم أمريكي ، ملأ صيته الدنيا, وأقامها ولم يقعدها بعد, بدت بطلة الفلم شبه عارية، فجنّ جنونها، وشتمت أعداء الله والكفار في أمريكا وروسيا وجميع أصقاع الدنيا. وعندئذ اعتذر صاحب المنزل، واضطرّ إلى حرماننا من متعة أمريكا وعظمتها الأثيرة, وسحر نسائها اللواتي يعشقن الصحراء العربية الكريمة, وجلابيبها , وجبروت رجالها, وأنهار بترولها الدافقة عزّا وأبّهة وكبرياء هامة ونفس أبيّة.

في الآونة الأخيرة لاحت لها خاطرة.. بدا لها زواجي هاجساً وهمّا، لكني أصررت على أن من أتزوجها لا بدّ أن تكون دافئة العينين, وتكون صديقة, وتحبّ الشعر والموسيقى, و لها صداقات وعلاقات إنسانية كريمة, وصادقة قولا وعملاً, وليس شرطاً أن يكون لها غشاء بكارة, فالماضي ملك لأصحابه, وما يهمني حاضرها النظيف, فصاحت مفجوعة: يا ويلي .. يا مصيبتي.. حفيد المشايخ والقبب والأولياء والقديسين يريد مطلقة! لكني لم أستطع الزواج لأن نساء بلدتي شرانق جميلة محصّنة باللؤلؤ والمرجان, وضفادع لا تفتح فخذيها إلا للمستبدين والطغاة، وأصحاب المكاتب العقارية ، والأحذية الجميلة التي تقود سيارات " البويك الأمريكية " ، و " ميتسوبيشي اليابانيّة"، وسرطانات يتركّز شرفها المقدّس المنيع في نصفها الأسفل, وأكفالها الجميلة, والمصيبة إني لا أريد إلا مطلقة كما تقول أمي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى