عبد الحق بن رحمون - المهدي أسطورة جيل... يجعلني لا أتقيد بالخطوط الحمراء لمَّا أسأل وأبحث عن الحقيقة

في ذكرى 29 أكتوبر... أي يوم اختطاف الشهيد المهدي بن بركة بباريس عام 1965، يجعلني هذا الموعد القريب من عيد ميلادي 31 أكتوبر 1969 ، أي بفارق أربع سنوات، أستحضر اختياراتي في الانتماء لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأفتخر بهذا الاختيار والانتماء لفكر متحرر ولفكر نبيل ينتمي إلى الحداثة.
فالمهدي زعيم عاش عصره وزمن جيله، وأفكاره كانت لها رؤيا / ورؤية متبصرة للمستقبل الذي ينبغي أن نعيشه، إن المهدي بن بركة عاش زمن النبوغ المغربي والسياسي والدبلوماسي.
إنه رجل الرياضيات، كان يضع المقدمات ليصل إلى النتائج الصحيحة ، إن المهدي باختصار ملهمنا في الكتابة والإبداع في استحضاره كشخصية أسطورية تعبر عن ضميرنا الجمعي.
لذلك، كلما حلت هذه الذكرى، أستحضر التغييرات والانتظارات التي حصلت اليوم، أو تلك التي ما نزال ننتظرها بفارغ الأمل والصبر .
والانتظارات التي عشناها هي كثيرة، من أجل الكشف عن حقيقة اختطاف الزعيم المهدي بن بركة. وفي هذا المسار التاريخي لأجيال مغربية، أستحضر هنا مغرب الأبيض والأسود ، وتلفزيون الأبيض والأسود، وصحف اليسار بالأبيض الأسود، وأستحضر ناس الغيوان، وجيل الجيلالة، ومارسيل خليفة، والشيخ إمام، وحياة مغربية قاسية بالأبيض والأسود، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
لقد كان المهدي بن بركة منظرا لمستقبل مغرب ما بعد الاستقلال، والذي لازالت روحه حية بيننا ومنهجه طريقنا للتغيير والنضال للوقوف أمام كل الطغاة والفاسدين. ويمكن أن أقول إننا ضيعنا بوصلة ومعادلة في الرياضيات، كان قد أهداها المهدي للمغرب لكي يتحرر من فرنسا، لكن للأسف ضاعت البوصلة واختطف واغتيل المهدي، وضاعت منا سنوات كنا سندخل فيها عصر الأنوار والازدهار التنموي.
واليوم حينما أستعيد ذكرى اختطاف الشهيد المهدي بن بركة، أستحضر المدرسة التي تربيت فيها وتعلمت منها الشيء الكثير، مدرسة صحافة الاتحاد الاشتراكي وأيضا ما تعلمناه، وتعلمته شخصيا من مدرستنا العتيدة مدرسة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
المهدي هو أسطورتنا وأيقونتا، كانت ولاتزال صورته التي بالأبيض والأسود، لما نراها على مدى خمسة عقود، تابثة في وجداننا نشعر بالقوة والإرادة المجسدة لحيواتنا ، ولسياساتنا ودبلوماسيتنا المغربية، وتضعنا هذه الصورة أمام فيلم فرنسي استخباراتي، محبوك السيناريو ، لكن الحقيقة في هذا الفيلم تظل ضائعة، وهذه هي المشكلة الكبرى. انتظرنا كثيرا للكشف عن الحقيقة كاملة، وما أن ينكشف خيط، حتى تعود قضية الملف إلى نقطة البداية.
واختطاف الشهيد المهدي بن بركة وقبره الغير موجود تكون هذه قضية استثنائية في عالمنا العربي ، إنها قضية زعيم قبره في السماء ، وقبره يلهم أسئلة ، ويلهم نصوصا لمقاربة الاختطاف والاغتيال . في مقاربة أخرى نستحضر أن الكلمة والفكر لهما أثر على الآخر(..) لما يشعر بالضعف ويحس أن الخطر يهدده ويخاف على مصيره .
ولهذا ففكر المهدي بن بركة هو الطريق الذي نضعه نصب أعيننا في مغرب نعيشه اليوم بالألوان ، مغرب مزخرف بالإنصاف والمصالحة ، ولابد من استحضار ذكرى حيواتنا بالأبيض والأسود، لنفهم وننتظر انكشاف الحقيقة. وسنصل يوما بالتأكيد لمعرفة حقيقة اختطاف واغتيال المهدي بن بركة الذي أعتبره اليوم أيقونة الحرية، وملهما لروايات التاريخ والحب والاغتيال والاختطاف والنفي الاختياري .
سيعود جثمان المهدي يوما إلى وطننا .. ونضع له قبرا بمقبرة شهدائنا .. والمهدي لايحتاج إلى قصيدة رثاء ... المهدي ضميرنا الجمعي وقصيدة مديح للوطن والحرية .




نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 28 - 10 - 2016

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى