حسن إمامي - مينوش

حسن امامي.jpg

لامست هاتفها المحمول ... بإبهام سبابتها سافرتْ بين أيقوناته و أرقامه و حروفه ... تعود لحرف الحاء .. تضع علامات استفهام ... يزيد توترها ... تفتح بوابة المعلومات ... لا شيء تغَيّر طبعا ... ترى هل سيتصل اليوم ؟

ملتحفة لفوطتها ، بعد دوش ناعم و معطر برائحة الصابون السائل بالأموند ... اليد اليمنى مع الجهاز المحمول ، و الرجل اليسرى لا تنفك تدق على الأرض التي لا تأتي به و لا تحمل أخباره ... دبدبات يرتج لها امتداد السرير و وقع الصوت و دبيبه و حدس مينوش الذي كان يستحم بأشعة الشمس على البلكونة ، بينما النمل منشغل بكدحه السرمدي على زواياها التي اتخذها مسارات خاصة له ...

رافق الغمز التفكير ، ربما تقبض على فكرة تحل بعاد المسافات ، فتجعلها قربًا و حلاًّ ، بما تشتهيه و تريده ... يمر الهر الرمادي اللون ، الناصع بسواد البقعة السوداء التي تطبع ساقه الخلفية اليسرى ، متبخترا في مروره بعد قيلولة هادئة ، عابرا فضاء الغرفة بين الشرفة المشمسة التي اتخذت لوحة الغروب ، و اتجاه المطبخ الذي يعِد بروائح تفتح شهيته لهذا المساء ، فتجعله يختار ما ترغبه ...

تصرخ فيه آمرةً إياه بالجلوس على جانب سريرها ... يستغرب للطلب ... يموء تلبية ، ويستلقي على جنبه مستسلما لخاطرٍ يجهل مبتغاه في هذا التوقيت الغير المناسب لهما ...

ـ اجلِسْ بدون حركة ...

يدغدغ جنباته ناظرا إليها بابتسامة رونقه و خطوط مقلتيه العموديتين الفضيتين ... يستميلها بجفنيه في تنويمة لرموشه، و يسافر هو الآخر في خياله الخاص ... ما دامت هي منشغلة بآلتها العجيبة ...

لا يدري ، هل هي تخاطبه أم تخاطب نفسها ، أم شيئا آخر لا يعلمه في صوتها ...

ـ مينوش ... قل لي ...: هل سيأتي ؟

يحرك ذيله ببطءٍ ، كأنه يكنس به بساط الزربية الحمراء الناعمة ...

ـ لا تقُمْ بهذه الحركة الآن ، مينوش ... فهي إشارة ل : لآ ... من فضلك مينوش ( عافاك ) ، حَرِّكْ رأسك في اتجاهي ...

يُطِلّ عليها ثم يعود للاستلقاء على ظهره ، رافعا سيقانه في نشوة مساء ...

ـ أحبكَ مينوش ... لكنني لا أدري إن كان هوَ يبادلني الحب الذي أُكِنُّه له ... احتفالُه بعيدِ ميلادي الأخير فجَّر من جديد اشواقي له ... تعالً (مينوش) ) ... بش بش...

يفترش فخذيها و حجرها ، و يتمسح ببطنها و أسفل نهديها ...

ـ آ الخايب ... تتشابهان في رغباتكما ... هو الآخر يعجبه سلوكه الطفولي في النوم فوق فخذي ، حتى يتهيأ لذئبيته في الافتراس ... إياك أنتَ أن تفكر مثله ... سمعتْ! تعلمْ ... لو هاتفني و أتى ، سأتركك تخرج لقططك و مغامراتك أيها الصعلوك ...

يغطس رأسه بين فخذيها ، داخل فروه الرطب و الناعم ...

ـ دائما تستلطفون حتى تقضوا متعتكم و تهجرون ... ايها الماكرون ...

فجأةً ، يشعر مينوش باهتزاز رنين الهاتف ، كما بازدياد حرارة و دفء و نبض الحضن الذي يفترشه ... يستحضرُ شعورَه الغريزي ، فيفهم الإشارة من الأصوات المتحاورة عبر الهاتف المحمول ، و يتمدد على طول الركبتين مع ازدياد تدليكها لجسده بحركات متميزة و ضاغطة ...

أَجَّلَ هو الآخر فكرة زيارة المطبخ ، فغريزة الجوع لا خوف عليها في هذه الشقة التي يسكنها ...

الفجأة المباغثة الثانية ، كانت صراخا و لفظا له من سرير استلقائه ، و انهمار الدموع و البكاء الحاد من طرفها ...

على شاشة التلفاز أمامهما ، نساء و أطفال ، و وجوه شاحبة ... أسرٌ مختطَفة في حرب أهلية ، من أجل المساومة بها في فدية أو إطلاق سراح ، أو قصاص جهاد ، أو جهاد نكاح لملاقاة حور العين ...

تزداد الشهقات ، و يزداد اندهاش مينوش ، يفر هاربا إلى المطبخ ، وفاءً لجولته في مملكته الوردية ... بينما تتحول غرفة نومها لعالمٍ رماديٍّ بين أخبار الحروب و دمار الكلمات التي لم تُسْعِفها في اقتلاع البوح بالحب من طرف مُكَلّمها ...

يموء مينوش ، ملامسا فتْحَ باب الشقة ، لكي ينزل درجها إلى معشوقاته و غرامياته و جولاته ... و فتوة و موعد بعد حين ...ـ تتوعده بالبقاء و القسوة و الضمور ...ـ

ـ الناس في الحروب و أنت في الجولات ... لكنك مجرد هر لا يعرف شيئا ... سحقا لكم ايها الذكور ... رسمتم المرارة على قلوب الأمهات و الإناث ... و دمرتم بالحروب كل الورود ...

يموء مستلطفا و مستعطفا ... لا يدري إن كان هو المعني بالمخاطبة و النبرة القاسية في كليتها ... يطأطىء رأسه و ينكمش بجانب الأريكة ... )).

مشاهدة المرفق 93
=====================
* القاص المغربي حسن إمامي
من مواليد مدينة مولاي إدريس زرهون سنة 1963.
خريج كلية الآداب بفاس سنة 1987
والمدرسة العليا للأساتذة سنة 1991.
يشتغل بالتعليم الثانوي التأهليي
ذو اهتمامات متنوعة بمجال الفكر والأدب
له دراسات نقدية وثقافية منشورة في جرائد وطنية مغربية ومجلات إلكترونية ومنتديات متعددة.
من إصداراته :
ـ رواية ( قرية ابن السيد )، سنة 2014.
ـ المجموعة القصصية: ( مدائن ليلات ) سنة 2015.
المدونة الخاصة الإلكترونية: www.devenirdemain.over-blog.com

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى