فنون بصرية هيثم فاروق المغربي - الفوتوغراف – فن

يسألني الكثير أتعتبر نفسك مصوراً فوتوغرافياً و ما التصنيف الذي تضعه لنفسك … هنا يحضرني السؤال هل الفوتوغراف فن، هل هو حرفة أم أنه شيء غير ذلك؟ جوابي يختصر ببساطة بمجموعة من الأفكار أود مشاركتها معكم حول نظرتي له.

في البداية يجب أن نفرق بين الفن و بين فن الحرفة فالأول يتعلق بالتعبير عن مواضيع و أفكار و أحاسيس و مشاعر و ربما عن حالات مجتمعية أو سياسية و هو متغير بتغير الأعراف و التقاليد متأثر بالحراك المجتمعي الثقافي و السياسي و المادي و حتى التكنولوجي بينما الثاني يعتمد على إتقان حرفة و أدائها بشكل نمطي يضمن أن تكون النتيجة مرضية مع مراعاة التطور في العدة و الأدوات لهذه الحرفة.

كوني اخترت الفوتوغراف للتعبير عن مايجول في خلدي هو دليل فقط على أني أرتاح بالتعامل مع هذه الأدوات الفوتوغرافية من كاميرا و توابعها و من برامج حاسوبية تقوم بتوضيح الفكرة التي أعبر عنها فالفكرة تبقى مجرد فكرة حتى تجد الطريق إلى أن تصل إلى بقية الناس بطريقة تجعلهم يستطيعون التعامل معها سلبا أو إيجابا، موافقة أو رفضا، إعجابا أو كرها، و كوني اخترت الفن فأنا أجرد نفسي من القوانين المعروفة للعامة وأنطلق في بحر لا حدود له من التعبير فالكاميرا في يدي أداة قد تكون كافية لتجسيد ما أرى في عقلي و في قلبي و قد تكون قاصرة فأدعمها بأدوات أخرة كالبرامج الحاسوبية أو تقنيات الطباعة أو العودة إلى مدارس قديمة كالكولاج مثلا أو التعريض المزدوج للكادر و أنا في ذلك أكون كالنحات الذي يتعامل مع الرخام تارة و مع الخشب تارة أخرى مرة بإزميل و مرة بمنشار كهربائي و التطورات التي حصلت في عالم الفوتوغراف من دجتلة و تنوع في الإكسسوارات ما هي إلا خطوة تسهل علي العمل كممتهن للتعبير الفني على إيصال أفكاري ولم تحل محل نظرتي الإبداعية أو محل إحساسي لذا أعتبر الفوتوغراف فنا قائما بحد ذاته له مدارسة التشكيلية و قواعده المطبقة و المخترقة مثله كمثل الرسم فلو أننا التزمنا بقواعد ثابتة لفقدنا عصر النهضة و الحداثة و ما بعدها و لاعتبرنا بابلو بيكاسو مثلا شخصا مارقا خارجا على قواعد الرسم الكلاسيكي لأنه امتهن التكعيبية كونه لا يجيد الرسم الكلاسيكي كدافنشي و لكن الأصح إعتباره فنانا مبتكرا أعاد تطويع أدواته لتعبر عن ما يراه و ما يحس به و كذا الأمر مع الفوتوغراف.

الفوتوغراف فن و أدواته متطورة شأنها شأن أدوات الرسام و النحات و الطبيب و عامل البناء كلها أدوات تتطور و تتغير لتسهل علينا الوصول إلى المقصد ألا و هو العمل الفني صاحب الرسالة إذ بلا رسالة يصبح العمل الفني كطبق من الخضار المسلوقة متنوع في ألوانه لكنه بلا طعم أو رائحة.

و على ذلك يمكن أن أصنف نفسي كممتهن للتعبير الفني باستخدام أدوات رقمية تسمى الكاميرا و الحاسوب.

تعليقات

بهارات
هيثم فاروق المغربي


استوقفني منشور تفاعلي للزميل الأستاذ حسام الدين مصطفى يطرح فيه تساؤلاً حول أسرار الجمال في العمل الفوتوغرافي، و هنا لا بد من أن نسأل أنفسنا نفس السؤال الأزلي الذي شغل بال فلاسفة و فنانين كثر على مر التاريخ…

ما هو الجمال؟

هل يمكن أن نقوم بوضع معايير ثابتة للجمال كجمال مجرد، أي أن نحدد ما يسمى بقائمة مبندة إذا اشتمل الموضوع على بنودها اكتمل جماله، هل نستطيع أن نأخذ توافقاً عالمياً بين البشر على هذه البنود، لا أظن أن هذا ممكن حقاً إلا على نطاقات ضيقة و هناك أمثلة كثيرة من أبسط الأمور إلى أعقدها فلنأخذ مثلاً تسريحات الشعر أيام السبعينات من القرن الماضي و لنقم بعرضها على شباب اليوم، هل سيتقبلونها كموضة جديدة؟ ربما نعم و ربما لا، المرأة قديماً عند العرب كانت ذات مواصفات جمالية مختلفة عن أيامنا هذه فقد كانت المرأة الممتلئة عريضة الورك هي الجميلة و هذا الموروث الجمالي نشأ مرتبطاً من تراث وجد مع تقادم الأزمان أن هذه المرأة أقدر على الإنجاب و تحمل أعباء الحمل و الولادة، و لكن هذا المفهوم اليوم تغير و أصبحت النحيلات هن المتربعات على عرش الجمال، و كذا الأمر مع الشقراء التي حلت محل السمراء التي كانت تتربع عرش الغزل في الشعر العربي، و هنا أورد هذه الأمثلة لأنها تدل على العوامل التي تؤثر على مفهوم الجمال، إذ أنه يتغير بتغير العوامل الاجتماعية و الثقافية و بتغير الأزمان و يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعادات اليومية لكل شعب، و هنا إن أردنا أن نكشف أسرار الجمال في العمل الفوتوغرافي فعلينا أن نجزئ العمل إلى قسمين:

الأول هو المهارة التقنية للمصور: و التي تتعلق باختيار العدسة المناسبة و طولها البؤري و طبيعة الكادر و زاويته و توقيت التصوير و ضبط مثلث التعريض و اختيار التوازن الأمثل للون الأبيض عدا نمط الألوان و ما يتبعها من معالجات رقمية وصولا إلى الخامة التي سيطبع عليها العمل و قياسها.

الثاني يتعلق بعمق الصورة و ما تخفيه من أبعاد و اسقاطات و معالجة، أي ما هي الرسالة التي سيحملها العمل، هل قصد المصور أن يكون عمله مندرجا تحت بند الترفيه و الإبهاج أي أن يصور ما هو مقبول و محبب مجتمعياً كغروب شمس أو حقل من الأزهار أو فتاة جميلة ربما، أم أن يعالج موضوعا أعمق كحقوق المرأة أو الاغتصاب أو القتل أو الحرب حتى لو كان الموضوع مزعجا للمجتمع أو حتى محرماً.

وهنا أجيب عن تساؤل الأستاذ حسام بالتالي و هو رأي شخصي يحتمل الصواب و الخطأ:

إن السر الكامن خلف جمال العمل الفوتوغرافي هو المصور نفسه فهو ابن المجتمع يعيش بين أطيافه و معها و ما نتاجه الفوتوغرافي إلا تعبير عما يجول في خبايا نفسه مما يعاينه من حالات نفسية و إرهاصات مجتمعية فالفوتوغراف ليس علما كالرياضيات، إذ أن عالم الرياضيات يتعامل مع معادلات محددة لا تتأثر بحالته النفسية و المجتمعية بعكس الفوتوغرافي الذي يعيشها عبر إحساسه بما يجول حوله و كيفية رؤيته للضوء و التكوين المعبرين عما يدور في عالمه المحيط و خلده في آن معا و هو إن اختار هذا الصندوق الأسود فإنما اختاره لأنه يمثل آلاف الصناديق السوداء في القلوب و العقول و أخذ على عاتقه أن يدخل النور إليها مستعينا بأدواته التي تختلف باختلاف المرحلة التي يمر بها، معبرا عنها تارة بالواقعية و تارة بالتجريد و أخرى بسوريالية لاذعة، فالفوتوغرافي الحق لا يمكن أن يستمر في إنتاج أعمال ذات طابع واحد و لا يمكن أن يعمل بوتيرة واحدة لأنه ببساطة إنسان يتميز برهافة و رؤية خاصتين تتأثران بكل ما ذكرته مسبقا، و تجدر الإشارة إلى أني لا أنتقص هنا من أهمية الصورة ذات المحتوى الجمالي المعهود و المألوف لعين المتلقي كالمناظر الطبيعية أو الطيور أو الطبيعة الصامتة، إنما لكل عمل فوتوغرافي مكانه و زمانه و متلقوه.

و أستقي من العنوان الذي اخترته ختامي بأن لكل وجبة بصرية نكهتها التي تأتي من المصور نفسه و من خبراته و ثقافته و تطوره النفسي و المعرفي و إن هي إلا بهارات بيد طاه بارع يقدم لنا صنوفا تختلف لذتها باختلافها بين حلو و حار و ربما لاذع.

و دمتم بود.

أترككم مع بعض الأمثلة لأساتذة في التصوير الفوتوغرافي خرجوا عما هو مألوف لأعيننا و عبروا عن جمال الرسالة بطريقة قد لا تتقبلها أعيننا كجمال معهود مذيلة ببعض الأعمال لشخصي المتواضع أمام هذه القامات الكبيرة.
 
أعلى