علي السباعي - صوت العندليب.. قصة قصيرة

صباغُ أحذيةٍ نافَ على الخمسين ... تسريحةُ شعرِ رأسهُ تْشبِه تسريحةَ العندليب الأسمـر ... يلقبونه " الواوي " ... بعــد ســـقوطِ الصنـــمِ ... أثنـــاءَ الحملــةِ الانتخابيةِ الأخيرة ... منهمكٌ في صبغ حذاءٍ ايطاليِ لأحد المرشحين القادمين مــن خـارج العراق... ســأل " الواوي" بعجرفةٍ وتعــالٍ واضحين:

- " مَنْ ستنتخـب؟ "

قال بحرقةٍ باديةٍ مـن حركاتِ يديهِ وهمـــا تحركان قطعـةَ القمــاشِ برشاقةٍ وتوترٍ فوقَ جــلدِ الحذاءِ ومن غير أن يرفعَ رأسه :

- " لن انتخب أحدا".

رشيقـــةٌ حركاتُ أصابعــه المصبوغة بالدهـــان الأحمــر... نقرةٌ خفيفةٌ علــى فردةِ الحـــذاء اليسرى للمرشحِ الأنيقِ، بعدها قال بشدةٍ وامتعاضٍ وهو ينظر فـي عيني المرشح باستهجان:

- انتهى صبغ حذائك أستاذ.

قال له المرشحُ بمودةٍ مبالغٍ فيها كسرا لغضبهِ المفاجئ وهو يُنْقِدُه أجرَه :

- "سيضيع صوتُك؟!!"

ضحكَ صباغُ الأحذيـــة ملء صدره الخَرِب مـــن تدخينِ السجائرِ الرخيصــةِ حتــى إن مــارة شارع الجمهورية وأصحــاب المقاهـي والمطاعم ومحــلات الملابــس المحيطة بجلسته انتبهــوا لضحكتهِ الهادرة الهازئةِ كونــهُ مــن الذين لا يضحكــون بسهولة فـــي مدينــة الناصرية.. عَلـَـق مختنقـا ودموعهُ تمــلأُ عينيـه منسابةً منهــا علــى خديه الأسمرين... حضــر صوتهُ باليا عتيقا حزينا جريحا كأنه آتٍ من سنواتٍ قحطٍ وجدبٍ طويلين:-

- " الله يخليك أستاذ ... هـو آنه ضايع ... آنــه (الواوي) كلـي ضايع ... ياصوتي ... صوتـك يضيـع (وهو يهز يده اليمنى هازئا)... " أنا مجرد صبـــاغ أحذية".



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الواوي: الثعلب: لرشاقته وحركته السريعة المخاتلة في القتال على سواتر المعارك إبان الحرب لقب بالواوي .. وهو الآن يعيش وحيدا فريدا في غرفة بسيطة من غرف فنادق شارع الجمهورية في الناصرية .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى