مليكة مستظرف - الوهم...

مشاهدة المرفق 445

خرج من البيت وهو يلعن كل شيء بصوت عال، ابتداء من العجوزين اللذين كانا سببا في تواجده في هذا العالم المتعفن وانتهاء بأخته التي تزوجت فرنسيا وسافرت معه إلى بلده ولم تف بوعدها له، تذكر كلامها له في المطار:
- أنا تزوجت هذا النصراني لأجلكم فقط .. شهر واحد وكل الأوراق تكون في حوزتك لتلحق بي. ما تخممش!
صدقها. والآن مر شهر يجر وراءه شهورا كئيبة مملة متشابهة حد القرف ولم تف بوعدها له.. تعب من رؤية والدته تعود آخر كل يوم محملة بما فاض عن حاجة مخدوميها من أكل و لباس. تعب من رؤية والده قابعا في ركن الغرفة يدخن الكيف حتى أصبح كفزاعة الطيور. وتعب أكثر من الوقوف براس الدرب يضع صندوق السجائر الديطاي* أمامه لبيعها. كان يدخن اكثر مما يبيع.يراقب المارة , يجلس إلى "حمو" حارس السيارات يحكي له كل صغيرة وكبيرة عن الجيران وعن أناس يعرفهم أو لا يعرفهم. يعاكس فتيات شبه لابسات ينظرن اليه بتقزز كأنه طعام كريه انتهت مدة صلاحيته، ينبعث من المذياع صوت مغنية من الدرجة العاشرة تعلن شبقها وكبتها أمام الجميع بصوت كالشخير أو الخوار:
وعنقيه و حوزيه وبوسيه...
تتأجج نيرانه, يحس بالجوع لأشياء كثيرة ، وذلك الوحش المسمى الرغبة الكامن في مكان ما من جسده يعوي بضراوة, بقسوة، تلتصق عيناه بتلك الأرداف المتشحمة التي تهتز بشكل مشين مثير ومخيف. وأينما ولى وجهه وجد النهود النافرة متجهة مباشرة إلى ما تحت بطنه، تستفزه، تضغط على أعصابه بعنف ووحشية لا ترحم. يتجرع قهوته السوداء حتى لا يرتكب أي فعل جنوني قد يندم عليه. حتى إمام المسجد ضبطه شباب الحي كذا مرة وهو يختلس النظر إلى الفتيات و يتحسس ما تحت بطنه الأكرش و مسبحته العتيقة تئن بين أصابعه. لك عذرك يا إمامنا فحواء التي أخرجت آدم من الجنة أليست كفيلة بأن تخرجك عن وقارك؟
نظر إلى "حمو" وقال بعصبية : هذا عنف يمارس علينا. يوما ما سأحمل لافتة أكتب عليها لا للعنف على الرجال ، وأجوب بها الشوارع. ويتساءلون عن سبب جرائم الاغتصاب؟ تقو يا عالم الق...!
هؤلاء البنات هن المحظوظات في هذا البلد، لا يعرفن الفرق بين الألف والزرواطة ويكفي أن تكشف الواحدة منهن عن فخذيها وساقيها وتصبغ وجهها لتفتح لها كل الأبواب الموصدة وما أدراك ما الأبواب الموصدة!
يحس بالغيظ وهو يرى بنات الجيران لم يتجاوزن العشرين وكل واحدة لها هاتف نقال، ومنهن من اشترت سيارة وتنوي شراء شقة بدل تلك الحفرالنتنة التي يسكننها والتي تسمى تجاوزا بيوتا.
عندما جاءت أخته لتخبرهم أنها ستتزوج فرنسيا ، عارض والدها العجوز وأرعد وأبرق وتوعد إن هي تزوجت النصراني أن يتبرأ منها. حتى هو أخذ يتكلم كثيرا عن الحلال والحرام والله والنار. وأمها كانت تولول وتلعن اليوم الذي أنجبت فيه أنثى وتترحم على أيام كانت البنات يدفنّ وهنّ على قيد الحياة.
لكن كل شيء تغير بسرعة مغربية. تغير أثاث الشقة القديم الذي كانوا يتقاسمونه مع الفئران والصراصير، بنت فيه العنكبوت أعشاشها وعاشت آمنة مطمئنة ولم يكن ينقص بيتهم سوى دراكولا.
وأصبح العجوز يرتدي بذلة كاملة بربطة عنق بدل تلك الجلابية التي اهترأت، يبتسم في غباء مزهوا بابنته التي أتته بالملايين ، زجاجة خمرة والكيف، وقرنان نبتا فوق رأسه. يردد منتشيا وهو مستلق على ظهره:
- اللي عنده بنت عنده كريمة.
وأصبحت كلمة الله يرضى عليك ابنتي لا تفارق شفتيه. وحتى أمه أصبحت تشمر عن ساعديها أمام الجيران حتى تظهر الدمالج والخواتم وتتلذذ وهي ترى أعين الجارات تكاد تخرج من محاجرها أمام البريق الأصفر الأخاذ ، وتنظر لابنتها تقول العيد غدا. وهو إلى متى سيظل رافضا زواج اخته؟ فهي ستتزوج النصراني شاءوا أم أبوا؟ وهو ليس عنتر زمانه ولن يجن ويقتل أخته ويقضي بقية عمره في السجن. من أجل ماذا؟ الأخلاق؟ الشرف؟ التقاليد؟ انه لا يعرف لون ولا شكل ولا طعم هذه الأشياء. كان يسمعها فقط في حكايات جدته التي ترويها له لكي ينام. لذلك سيحسبها بمنطق العصر وسينزع هذا الوجه ويضع بدلا منه آخر من قصدير كجميع الوجوه المقصدرة التي يراها يوميا. أخذ يتلو على الجميع آيات وأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، ليحلل زواج أخته. أما الجيران فقد ثرثروا، لكن في النهاية ابتلعوا ألسنتهم . وهو ليس مجبرا على تقديم كشف حساب عن تصرفاته لأي أحد. والله ما مفارق الريوس غير باش ترتاح.
كان يكرر على مسمع أبناء الجيران بثقة، المسألة مسألة أيام فقط ، وبعدها لن تروا وجهي. كان يحلم بغزواته على فراش الشقراوات، فهو يعلم أن المغاربة ككل العرب، مزاليط ومرفحين، لا يهمهم إلا تحقيق انتصارات باهرة فوق الأسرة ولا يحطون حرابهم وأسلحتهم إلا بعد أن يتأكدوا أنهم أسقطوا غريمهم المرأة بالضربة القاضية. وبعربية متكسرة يدخل عليها بلا مناسبة كلمات فرنسية، سيحكي لأبناء الجيران عن مغامراته مع ذوات البشرة الحليبية.
حمل صندوق السجائر الديطاي ، التقى ساعي البريد، سأله إن كان يحمل له رسالة من فرنسا، أجابه بالنفي دون أن يلتفت إليه. دخل إلى البيت وهو يلعن كل شيء بصوت عال، ابتداء من العجوزين وانتهاء بأخته التي ....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى