صدر الدين الماغوط - أسمّيك زمن الخوارج وأنتمي.. شعر

أعلمُ في لحظات الاستغراق الصوفي
أنّه ما زال لدي متسعٌ من الوقت لأتساءل:
لمن صنع هذا العالم؟
ولأي نوعٍ من الأيدي يصنعون القيود
وطلاءَ الأظافر؟
ولأي عصفورٍ يتفنّنُ السجّان برسم شكل القفص
وتشابك القضبان؟
مرة وأنا ساهمٌ ومستغرقٌ بحبّ الوطن
حلمتُ أنّ زمنَ الخوف انتهى
وأنّ الحبّ أُطلق سراحُه من معتقلهِ الأخير
والزنازين فتحتْ أبوابَها
ومشى المحبون في ضوء القمر
ولغير ما سبب سقط القمرُ مضرّجًا بدمه
واكتستِ المعاصمُ بالقيود
وسكن طلاءُ الأظافر أصابعَ النسوة المشتهاة!

وكأيّ مواطنٍ في العالم الثالث
أمشي ورأسي للخلف
أصافحُ أجدادي وأحفادي
وأشكو لهم ظلمَ الحضارة
في غفلة منّي تُداهمني الذّاكرة
وعلى مرِّ الفصول
أحمل جُمجمتي وأحاولُ رسم خارطةٍ لوطنٍ ما
فأقتل عبر الحدود وعبر التخوم
أنتم يا من تحلمون بتغيير منافذ الأرحام
والولادات السهلة
أحمِّلكم بقايا دمي
أناقشكم وضمن مؤتمراتكم
بأنّي لست مسؤولاً عن ضياعِ قطعةٍ من محيط
أو واحةٍ من صحراء
مرةً والبحرُ يداهمُ الشواطئ
والشرطةُ تداهمُ بيوتَ الفقراء وعمال المناجم
أرسلت مذاكراتي عبرَ المحيطات
وفي أوّل مظاهرةٍ لإعلان مراسيمِ الحبّ والثورة
صرختُ
اخرجوا من بين أصابعنا
اتركوا أحداقَ أطفالنا
رافقوا «تشيلي» في لحظة وداعها «لبابلو نيرودا»
ودعوا حلمَه بالجزيرةِ السوداء يرافقه حتى مثواه
وردّدوا معه نشيدَه الخاص
نشيدَ منزل الأزهار
لأنّ قاتلَه ما زال يضعُ يده على مسدسِه
كلّما سمع بكلمة ثقافة!!

لغير ما سبب أيديولوجي
استأصلوا منّي الطفولة
وتركوني هائمًا في الزواريب الوطنية
أتساءل:
هل الطفولة عضوُ زائدٌ في جسد الإنسانية
يمكن استئصاله؟
وهل في وجوده ضررٌ قومي
ولغير ما سبب أُجبرتُ على التلصص
من ثقب بوّابة الوطن
لأرى الحياةَ من الداخل
يومها كنت منفيًا عمّا بداخلي
ولغير ما سبب أدركتُ أنّي أعيش خارجَ هذا الزمن
لكنّهم أدخلوني دوّامة اللعبة
بعد دفعي الرسومَ وإلصاق طابع البريد
عشتُ زماني بحقدِه وخوفِه ومجاعاتِه
وحين سمحوا لي بالخروجِ من زمني
كنتُ قد هَرمتُ حزنًا
ولم أعدْ أطيقُ الفِراق
فالخوفُ أضحى جزءًا من شخصيتي
وحين داهمني الفرحُ اعتباطًا وامتلكتني الطفولة
خارجَ هذا الزّمان
عدتُ متلبسًا بالرعشة
مطالبًا بإعادة انتسابي لهذا الزمان
الذي لا يستحي!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى