إيهاب الحضري - متاحف في دائرة الخطر..

يظل التراث مهمشا في فترات الاستقرار، يعاني من إهمال وزارات مختصة في بلداننا العربية، وتجاهل مواطنين لا يكترثون به غالبا، لكنه يتحول إلي فريسة مستباحة عند أية اضطراب سياسي أو نزاع مُسلح، إما بيد سلطة ترغب في إلقاء تهمة التخريب علي أي تظاهرات ضدها، أو بواسطة قلة يعرفون قيمة الآثار، لمجرد أنهم يعملون في تجارتها وتهريبها! مما يجعل أي اضطراب غطاء مناسبا لهم للتسلل والنهب، ثم الاختفاء وترك أصابع الاتهام تشير إلي متظاهرين يتسلحون بالسِلم غالبا.
قبل أيام تعرض المتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية بالجزائر لاقتحام جزئي، لينضم إلي قائمة المتاحف والمواقع الأثرية التي دخلت دائرة الخطر من قبل. ولم يكن المتحف عرضة لعبث اللصوص فقط، بل صار محورا للتلاعب الإعلامي، فقد تمت صياغة الخبر بحياد أحيانا، وفي أحيان أخري تم ربط الواقعة بمظاهرات المعارضين بما يُحمّلهم المسئولية ضمنيا، ورغم أن هذه النوعية من الصياغات المُضللة لم تقم بتحميل المتظاهرين المسئولية مباشرة، إلا أنها ظلت مائعة، تفتح أبواب التأويل علي مصراعيها، في المقابل تحلّت تقارير أخري بالموضوعية، وذكرت بوضوح أن مخربين اندسوا وسط المتظاهرين السلميين.
وهكذا تتحول الهُويّة إلي لعبة سياسية، وتدخل الآثار دائرة الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المتنازعة، خاصة أن المعارضين يلقون الكرة بدورهم في ملعب الحكومات، ويتهمونها بدعم المخربين لتشويه سلمية أي تظاهرات، ويستغل »تجار التاريخ»‬ الفرصة بمحاولة تحقيق الثراء السريع.. والآمن! ففي جمعة الغضب تعرض المتحف المصري للاقتحام، لكن الثوّار انتبهوا للجريمة المدبرة، وتصدوا لمرتكبيها وأطلقوا استغاثات عديدة، وأقاموا حائطا بشريا أنقذ المتحف من كارثة محققة عام 2011، واستمروا في حمايته حتي وصلت قوات الجيش وتسلمت المكان لتتولي حمايته وتأمينه. وتكرر الأمر في أعقاب ثورة يونيو 2013 حيث تعرض متحف ملوي بالمنيا لعملية نهب واسعة، ففقد الغالبية العظمي من مقتنياته. لكن لحسن الحظ تمت استعادة مقتنياته المسروقة.
قبلها بسنوات تعرض المتحف القومي العراقي لعملية نهب غيرمسبوقة، في أعقاب الغزو الأمريكي، وأشارت الشواهد كلها إلي خطة مدبرة مسبقا, بحيث يبدو وكأن العراقيين يسرقون تاريخهم . فتم إطلاق آلاف السجناء المدانين في قضايا جنائية, ليصبحوا مادة خصبة لكاميرات تلتهمهم وتعيد إفرازهم عبر الشاشات, عندها يمكن بث تصريحات تصب في نفس السياق. الجنرال فنسنت بروكس المسئول في القيادة المركزية الامريكية بقطر أعلن وقتها ببراءة يحسد عليها : »‬لا أعتقد أن أحدا توقع أن ينهب الشعب العراقي ثروات العراق» ! وتناسي أن جنود التحالف المرابطين أمام المتحف ظلوا يتابعون ما يجري دون أن يحاولوا وقفه، وعندما توجه إليهم أستاذ من جامعة بغداد متخصص في علم الآثار طالبا المساعدة في وقف عمليات السطو، ردوا عليه بأنهم لم يتلقوا أوامر بالتدخل!
لحسن الحظ نجا أقدم متحف جزائري من كارثة، رغم سرقة بعض مقتنياته وإضرام النار في عدد من مكاتبه الإدارية، لكن الاعتداء عليه يؤكد أن السيناريوهات نفسها تتكرر وفق إيقاع رتيب، لتُثبت براعتنا في استحضار التاريخ، لا للاستفادة من دروسه، بل للتغطية علي أزمات الحاضر التي نتقن صناعتها، ثم نعجز عن مواجهتها!




أخبار الادب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى