محمد مباركي - علال و يامنة

عند قدم إحدى تلال الريف ، أين يركع التاريخ إجلالا لأقوام قالوا للطغيان في عنفوانه يوما، كلمة الرفض " لا " ، يبدأ سهل فقير ، ينتهي بخانق ضيّق لأحد الأودية السحيقة . هناك في مزرعة بدائية محاطة بسياج شوكي، بُني بيت ريفي معزول من الطوب و الحصى و التبن المسحوق ، صبغ بالجير الأبيض ،فبدا من بعيد كضريح وليّ نكرة ، يسمونه عادة ( سيدي محمد الغريب ).
يسكن ذلك البيت في تلك المزرعة " علال " ، رجل في الأربعين من عمره ، طويل القامة ، مفتول العضلات . تقرأ في طيات وجهه البارز القسمات كتاب " المعذبون في الأرض " . لا يعرف سوى العمل في المزرعة، عالمه الوحيد ،. يملكها أحد أقربائه من تجار المدينة البعيدة مسافة نصف يوم مشيا على الأقدام، و ساعة من الزمن ركوبا في السيارة ،التي لا يجب أن تتعدى سرعتها خمسين كيلو متر في الساعة ، كسرعة قصوى ، لأن الطريق المعبد القريب من المزرعة ورثته المنطقة عن الاستعمار ، و لم يبق من تعبيده إلا الاسم . و تبقى السرعة الكبيرة هنا ضرب من الجنون .لذا فكل الذي سلكه بسياراته يخفف من السرعة حتى لا يرزأ في سيارته ، أما الذي يسلكه مشيا أو راكبا على دابته يمكن أن يأمن على حياته و حياة مطيته . و "علال "من الذين يفضلون دوما قطع هذا الطريق مشيا، في تلك المرات القليلة التي يزور فيها المدينة . فهو يخاف من المدينة إلى درجة الرعب . يسميها الغول . يقطع أزقة دون أخرى للوصول إلى فيلا صاحبه . هو في الحقيقة قريب من البله ، لكنه جمع بين خصال الأمانة و الإخلاص لصاحب المزرعة ، قريبه التاجر ، حتى أنه كان باختصار آلة طيّعة مأمورة تمشي على قدمين، يخدم قريبه و أسرته بتفان العبيد . بل إن عقله محدود بالمزرعة و دوابها و ماشيتها و كل شيء فيها .
لاحظ صاحب المزرعة هذه الخصال في خديمه وآمن بها ، فكان يكرمه و يعطيه حقه كاملا غير منقوص قبل أن يجف عرقه . بل اعتبره كأخ صغير .
في يوم ، و هم حول مائدة الطعام ،راود صاحب المزرعة خديمه " علال " على الزواج من امرأة يعرفها . مرت فترة صمت توقف فيها الجميع عن الأكل و راحوا ينظرون إلى وجه " علا ل" و هم يغالبون انفجار ضحكة خبيثة .
دفن الخديم وجهه بين كفيه العريضتين لحظة ، ثم لعلع بضحكة كشهيق متلاحق اهتز لها جسمه ، و هرب استحياء من صاحبه ، تاركا الأسرة غارقة في زوبعة من الضحك .، إلى درجة التمرغ في الأرض .
وافق " علال " على الزواج . و اختار التاجر عروسا لخديمه من قرية مجاورة. كانت تقاربه في السن و البله . لما خطبوها من أهلها ، دست هي الأخرى وجهها في منديل و هربت من وجه الخطّاب .
كان اسمها " يامنة " ، و يناديها الناس في القرية و خاصة الأطفال " يامنة المهبولة " . و من كان يناديها كذلك ،لا يسلم من حركة بذيئة شائعة بين نساء الدواوير و الأحياء الشعبية أثناء تخاصمهن . كن يختمن الشجار بتلك الحركة الفاجرة و مقولة ( ها ما تسوا ).
تزوج علال بيامنة ( و قال بعض المدعوين : " مسكين تزوج مسكينة و اتهنات المدينة " ) ، و أنجبت له ثلاثة أبناء خارج كنانيش الحالة المدنية . كان علال و زوجته و أولاده نكرة .
لاحظ صاحب المزرعة أن يامنة ستغرق علال بالذراري ، خاصة و أنها ولدت أبنائها الثلاثة الواحد تلو الآخر . لذا فكر أن يأتيها بحبوب منع الحمل من المستوصف القريب من حومته. إذ الطبيب المسئول كان من أصدقائه. أعطاه كيسا من حبوب منع الحمل لمدة سنة ، من ذلك المنتوج الأمريكي المجاني . مكّن صاحب المزرعة لخديمه علال الكيس و سحب منه صفيحة زمنية تحتوي على ثمان و عشرين حبة مغلفة، و شرح له طريقة الاستعمال . لكن سقط من كلام السيد سهوا التأكيد لصاحبه أن يامنة هي من سيتناول الحبوب .
و بعد مدة لاحظ التاجر أن يامنة حامل ، فشك في كونها تناولت الحبوب منتظمة وفق طريقة الاستعمال المعمول بها ، و لم يدُر في خلده أبدا أن " علال " هو من كان يتناول حبوب منع الحمل .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى