نصيرة تختوخ - رجــــل الثلــج

رجل الثلج في حديقة الجيران بعيد عن الكمال. أنفه جزرة وعيناه زرا قميص، على عنقه شال عتيق أحاول تذكر زمن رؤيته السابق وعلى أي جِيدٍ كان ولاأنجح.
أتَصَنَّعُ ابتسامتي لعلها تصطاد شبيهة تطلع من القلب ويخرج من الذاكرة نصف رجل ثلج آخر.
ذاك الذي أبدعه عمي صدرا ورأساً وذراعا مثنيا وأضحى فخوراً كجندي يؤمن بواجبه.
ثبت على الجدار القصير، وبقي ثلاثة أيام يلقي تحية عسكرية على المارة.
عاش عمراً طويلا نسبيا واعتقدت بخيالي الطفولي أن لدعواتي فضلا في ذلك.
كتجسيد لجندي استوقف صبية كثر يحلمون بالشجاعة والنبل والرجولـة وكسعي لتكريمه وضع أحد العابرين دبوسا لامعا، هُيِّئ لي أنه نسر ذهبي، على صدره.
إستحق التكريم كما يستحق جنود الوطن أوسمة الشرف لأنهم الأبناء المستعدون لدفع أرواحهم ثمنا لحماية حدود البلد وكرامته.
رُدَّت تحيته العسكرية مراراً بتلقائية باعثة على الفرح والنشوة وكدت أدون عددها وأكتب أسماء مَنْ أعرف ممن تماهوا مع الحركة الرَّسمية، الرَّفيعـة.
انفصلت هـيبة الجندي عن حب الوطن الذي لايبرح القلب و امتزجا بشكل عجيب ليجعلا من نصف الرجل مدعاة للحديث والتفاعل وحتى تبادل الشجون.
بقعـة أرض غاليـة، أناس توحدوا رغم اختلاف تفاصيلهم، حرمة التعايش والتكامل والانصهار، تشارك إنساني لايقبل البعثرة والفوضى وأمان مسيج بحدود وأسلاك شائـكة...
تباينت همسات نصف رجل الثلج حسب الأعمار والتجارب وتوحدت في لفت الانتباه وتحريك النبض . لِدفق المشاعر حين يتلون بألوان الرايــة دفء واندفاع عجيب.
الشال ذو المربعات المتداخلة باهت الألــوان، وهبه صاحبه لرجل بلا روح لأنه لم يعد لائقاً به.
أظل أفشل في ربطـ قطعة القماش بصاحبها الحقيقي لكني أنجح في إخراج ألبوم الصور وإلقاء تحية عسكرية مرفوقة بابتسامة يشوبها غموض ويلبسها حنين.

نصيرة تختوخ, ‏1/1/13
#1

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى