أماني فؤاد - صورة الحب.. لا الحب.. قصة قصيرة

كان المركب يقطع النيل من جزيرة الدهب إلى المعادى فى طريق عودتنا بعد حضور احتفال بزواج إحدى الصديقات، جلست بجوارى سيدة فى عقدها الخامس، تحدثت متمنية للعروسين أن ينعما بحياة هانئة، وأن يحظى زواجهما بفرص النجاح والاستمرار..

ومباشرة، كأنها تبرر ما قالت، انطلقت تحكى عن تجربة انفصال ابنها وزوجته التى لم تستمر زيجتهما أكثر من سنة رغم أنهما كانا على علاقة حب قبل زواجهما لسنوات. يحدث كثيرا أن نجد أمام أعيننا نماذج من الثنائيات التى تربطها علاقات عاطفية ثم تتطور إلى الزواج وتبدو أمامنا كأنها مثالية، فكل ما يحوطهما يدلل على أن هذا الثنائى على وفاق ويتمتعان بالسعادة. يطول الوقت أو يقصر ليُصدم الأهل والأصدقاء حولهما، وربما يصدمان هما أيضا بانفصالهما، تنشرخ سريعا قشرة السعادة السطحية التى كانت تظلل تلك العلاقات وتتهشم، وهنا نتوقف لنسأل: هل ما كان بينهما فى تلك العلاقة حالة حب حقيقية، أم أنهما توهما حالة الحب، فطوّرا مجرد الانجذاب أو التناسب فى الظروف بينهما إلى علاقة أبعد، ثم أحاطا هذه العلاقة بكل مظاهر الحب الاستعراضية التى تعتمد على بذل وتقديم الأشياء وتمثيل الحالة، والإفراط فى الوعود والمبالغة فى المظاهر، والانخراط في نوع من العلاقات العاطفية التى تميل إلى تسليع كل فعاليات الحب، خوض تجربة تعتمد على صناعة صورة الحب التى فى الغالب تكون مجوفة من مضمونها العميق، حيث اشتغل طرفاها أو أحدهما على إخراجها فى أفضل شكل دون مضمون لتصورهما أن هذا الانجذاب هو الحب، أو أن التناسب بالمنطق العقلى وتشابه الظروف يضمن النجاح، فيشرعا فى إحاطة تلك العلاقة بسلع الحب ومظاهره لا مكنونه الفعلى، كأن هناك «كتالوج» لابد من المرور وفق بنوده «الدباديب، السيارات المغطاة بالورود، علب الهدايا التى تتجمع بها بعض الأشياء الثمينة والحلويات، يافطة كبيرة فى أحد الشوارع عليها إعلان الحب»، كما أن تلك التقاليع تتغير كل فترة ويستحدث عليها بعض المظاهر الأخرى، وكأن هناك صناعة ورأس مال وراء شيوع نموذج تسليع الحب هذا؟!. الأشياء فى حد ذاتها ليست مكروهة، بل بإمكانها أن تصنع لحظة جميلة يظل يتذكرها الطرفان، هذا بشريطة أن تستند على وجدان ممتلئ بمشاعره التى يطورها المحب إلى القدرة على الفعل من أجل حبيبه، أى أن تتجاوز سطحيتها وحتميتها، فالبعض يتصور أنه لو غابت هذه المظاهر لانتفى الحب من أساسه، كما يجب ألا تصبح هذه المظاهر مكلفة وتستنفد إمكانات الشباب المحدودة. هناك فارق شاسع بين الحب العميق وبين صناعة حالة حب، من يحب يهتم بالشخص ذاته، يسمعه وينصت له ويتفهم همومه وطموحاته، لا ماذا أهداه وما قدر عطاءاته له، ولا أين خرجا، يصبح كل المكان معه جنة، ليس لأنه فى ذاته جنة لكن لأنه فى صحبة هذا الشخص بالضرورة وليس غيره. يقف بجواره سندًا فى مواقفه الصعبة ويدعمه، لا أن يطغى عليه التفكير فى نفسه فقط، وفى كيفية استفادته من شريكه واستغلاله إلى الحد الأقصى. الحب ليس إقامة حفلة عيد الميلاد أو عيد الزواج على شاكلة ما يصور بالأفلام: الرقص والأغانى والشموع والبالونات، لقد حولت الأجيال الجديدة الحب إلى تكديس الأشياء التى تصنع مشهدًا يمثلون فيه السعادة، لا معنى التشارك والتواصل الحقيقى والتماهى مع المحب. ومن طبيعة الأشياء أنها تنقضى سريعا، تهلك، لكن يظل المعنى والقيمة يعيشان، لذا نجد الاستغناء والانقضاء يتمان سريعا للغاية، لأنهما ارتبطا بالمظهر لا بالجوهر، علاقات الأشياء تلك تولّد الأنانيات لا العطاءات. إن الانجذاب للشكل، والمغالاة فى إعداد وتجهيز شقة الزوجية وحفلات الزواج، رحلة شهر العسل، الخروج والسفر وغيرها من مظاهر، لا ترسخ حبًّا بقدر ما تصنع أعباءً. تتكشف كل هذه المظاهر مع مرور حالة الانبهار والشغف الأولى، إن وجد الشغف من الأساس، بل يشعر أحد الطرفين أو كلاهما بأنهما لا يشعران بالسعادة، ولم يحققا التواصل الحقيقى. تتعدد أسباب الطلاق وتختلف بين الطبقات، لكن هذا المقال يشير لحالة تسليع الحب وتشيؤه، صورة الحب لا الحب، وفى تلك الظاهرة تتبدد العلاقات سريعا.





[SIZE=6]د. ماني فؤاد

أhttps://sadazakera.wordpress.com/2019/04/20/%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a8-%d9%84%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a8-%d8%a8%d9%82%d9%84%d9%85-%d8%af-%d8%a3%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%81%d8%a4%d8%a7%d8%af/#more-1439[/SIZE]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى