رولا فتال عبيد - الكومبارس الصغيرة

الكومبارس الصغيرة
رولا فتال عبيد
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 07 - 2013

ما أن صرخ المخرج (ستوب ) للمرة العاشرة ، حتي هوت الفتاة الصغيرة في مكانها عند الطاولة كدمية عرائس انقطعت خيوطها فجأة . وطارت البرنيطة القش المزينة بوردة كبيرة من علي رأسها.
ركضت مساعدة المخرج نحوها وهي مذعورة . كانت جديدة علي المهنة و مازالت في طور التدريب . لكن أحد مساعدي الإخراج السابقين و الذي كان يتفقد المشهد سبقها إليها و عدل جلسة الفتاة وقبعتها ثم مضي ليكمل عمله.
ما أن وصلت نحوها حتي زغللت عينا الفتاة وهوت مرة أخري بوجهها علي الطاولة أمامها حيث كانت تجلس . رفعت مساعدة المخرج رأسها و أخذت تتأمل وجهها . كان وجهها شاحباً و هالتان بنيتان غامقتان تحيطان بعينيها البريئتين ، ويبدو عليها الإرهاق الشديد . و علي الرغم من سنواتها التسع إلا أن بشرتها الشاحبة و أسنانها الصفراء جعلوها تبدو كعجوز .
كان دورها في خلفية المشهد كومبارس صامت لفتاة ثرية من الطبقة الارستقراطية تجلس مع أحد الشبان ( كومبارس صامت أيضاً ) عند الطاولة في مطعم فاخر تتوسطها فازة تحوي وردة بلاستيكية واحدة حمراء اللون . و يقومان بحركات إيمائية علي أساس أنهما يتبادلان الحديث وهما يحتسيان الشاي من فنجانين فارغين . بينما يجلس النجم و النجمة في مقدمة المشهد عند طاولة عامرة بأشهي المأكولات الشامية الساخنة و التي يسيل لها اللعاب بمجرد رؤيتها كالكبة بأنواعها و اللحوم المشوية وورق العنب و التبولة و الفتوش....الخ. و يؤديان حوارهما أثناء تناول الطعام كما يتطلب المشهد .
كانت الفتاة قد بدت لها من خلال المونوتور (الشاشة ) التي يتابع المخرج عمله من خلالها ،أنيقة بفستانها المزهر و البرنيطة، لكن ما أن اقتربت منها حتي لاحظت أنهم قد ألبسوها فستاناً فضفاضاً يصلح لامرأة ، وتحايلوا عليه بأن لفوه حول خصرها بالدبابيس ، إلا أن أضلاعها النافرة من جسدها النحيل و إبطيها كانوا ظاهرين للعيان من فتحتي الكمين الكبيرتين. أما ياقته فقد كانت محفورة لدرجة تكشف عن ثدييها الصغيرين لكل من يمر أو يقف بجانبها من الرجال الكومبارس أو العاملين الذين يحومون في المكان كالدبابير .
سقتها بعض الماء و مسحت به وجهها لتنعشها ثم نادت علي السيدة التي تقوم بوظيفة تلبيس الكومبارس لتغير لها الفستان أو تأتي لها بدبابيس لإقفال الفتحات لكن السيدة التي كانت شبه نائمة قالت لها «بتأمري مدام « ثم اختفت تماماً.
عادت الصغيرة وشعرت بالغثيان . كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة صباحاً . و كانت الفتاة من ضمن الأطفال الصغار الذين أتي بهم المتعهد إلي مكان التصوير في الساعة السادسة من صباح اليوم السابق محشورين في الميكروباص كالسمك في علبة السردين و لما كان العمل باليومية لقاء أجر محدد ، فكان عليهم أن ينتظروا حتي نهاية التصوير.
خطر في بالها أن الفتاة أن تكون جائعة فالوجبة الوحيدة التي تقدم لهم علي مدي اليوم هي سندويتش فلافل واحد لا غير ، فقررت اصطحابها للاستراحة وإطعامها شيئاً ما.
ما أن نهضت الفتاة من مكانها حتي ركض مساعد المخرج نحوهما و طلب منها أن تترك الفتاة في مكانها لأن المخرج علي وشك استكمال تصوير المشهد خلال دقائق قليلة ،و الفتاة (راكور ) لا يمكن استكمال تصوير المشهد بدونها مثلها مثل بقية الاكسسوارات . هكذا لقنها مساعد المخرج درساً في الإخراج و مضي .
امتدت الدقائق القليلة لعشر دقائق و أخذت أصوات النقاش بين المخرج و النجم تعلو بالتدريج إلي أن تحولت إلي شجار و التف العاملون حولهما يتفرجون علي الموقف و عمت الفوضي المكان .
استغلت الموقف وسحبت الفتاة معها من يدها. كانت الفتاة واهنة تترنح بساقيها الضعيفتين فوق حذاء بكعب عال تغرق قدماها الصغيرتان في مقدمته. دخلتا غرفة جانبية . مددتها علي الكنبة ، فتحت حقيبتها و أخرجت منها بعض البسكويت وقدمته لها. كانت الصغيرة تقضم البسكويت و عيناها معلقتان بالدبدوب المتدلي من حقيبتها ، فنزعته وقدمته لها كهدية .
ابتسمت الطفلة وشكرتها و عانقته سعيدة و كادت تستسلم للنوم إلا أنها انتفضت ثانية من مكانها للعودة للعمل فحاولت استبقاءها لكن الطفلة رجتها بصوتها الضعيف « الله يوفقك مدام اتركيني كمل التصوير ، بخاف ما يعطوني الميتين ليرة ( أربعة دولارات ) و أبوي يزعل مني» .
أخرجت المرأة المبلغ من حقيبتها ودسته في كفها الصغيرة، فقبضت الصغيرة عليه وغطت في نوم عميق معانقة الدبدوب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى