سارة عبد الجواد - عائق.. قصة قصيرة

فى الصباح الباكر كعادته أستيقظ ، ولكن كان اليوم مختلف له على الأقل ، أتمم العقد السادس وأعتزل الحياة المهنية وأخيرا جلس فى بلكونة شقته ، لكل حائط حكاية ، لكل مقبض باب ذكرى ، الآن هو وحيد رغم وجود أبنته .هناك مكان فى أعماقه يعرف ويعترف بأنه لا يحكي ولا يتكلم مع أبنته كثيرا ، كان تارك كل شئ لأمها تديره . أما هو فأكتفى بالسويعات التي كان يقضيها معاها وهي طفلة ، اليوم وبعد أن تناقشا سويا ؛ أحس بالفجوة بينهم منذ متى وطفلته الصغيرة تقرر وتحتج ؟! . مسح بيده على رأسه تذكر الشعر الأبيض و إحتلاله لأماكن الشعرات السوداء .
النقاش معتاد لا شئ يبقى كما هو علية ، وهي امرأة تقابل عقدها الثالث على إستحياء ومرواغة منها . كلما نظرت لها عقلي يعجز عن إستيعاب أنها كبرت ، لازال جسدها صغير ولازال وجهها برئ . لكن عقلها وكلامها يصدمونني فهي ليست الطفلة البرئية التى أراها . أحب أبنتي كثيرا وأشفق عليها من الحياة والأيام ، كنت أود لو أنني كنت أستطيع دعمها فيما تقدم عليه، ولكنها لا تعلم أنها كثيرا ما تجعلني عاجز عن ردها عما تنوي فعله .
حينما كانت صغيرة ، كنت أحدث نفسي بذلك اليوم التي سترتدي فيه فستانها الأبيض ، وتوصيلها إلى الرجل الذي أحبته لأنني أحبه ، هي تحب كل ما أحبة لذا فهي ستوافق على أختياري ، وأنا أبوها فلأحد سيخاف على مصلحتها مثلي .
لم يخطر ببالي للحظة بأنها ستأتي يوما تخبرني بأنها قررت السفر دون زوج لقضاء بضعة أيام والعودة ، كنت أعيب على الآباء الذين يوافقون بناتهم على الخروج والسفر . وجاءت هي تقول وأنت مثلما قلت عليهم ، أغفر لها فهي لا تعلم أبدا أننى كنت آراهم أقذار . حاولت مساومتها كما كنت معتاد معاها وهي صغيرة ولكنها رفضت، ذاكرتي لا تسعفني لتذكر كم مرة رفضت لي طلبي، ولكن قلبي يذكرنى كم كانت مطيعة فى طفولتها ومراهقتها عكس بنات جيلها.
ذات مرة طلبت منها ترك عملها، مهنتها صعبة أعلم وحياتها متعبة فهي وحيدة ومسئولة عن بيت حتى تتزوج فرفضت قائلة أنها لن تأخذ قرار بالإستقالة إلى أن يسري داخلها الأمان و الأطمئنان.

هي محقة، ولكن كنت أود سؤالها هل وجودي لا يشعرك بالأمان؟ هل طلبي هذا ليس لدية أى وازع داخلك بأني أريد لك الخير؟ ماذا أعني لكِ يا صغيرتي ؟
كلها تساؤلات لم أسألها بالطبع، بقيت حبيسة الجوارح والقلب.

حينما كنت فى مثل عمرها ذكرتني بموقف بيني وبين والدي، كنت أطمح فى دخول إحدى الكليات، وجاء أبي يسُبني لأني أخترت طريق آخر غير الطريق الذي أختاره لى ، فما كان لى إلآ أن سحبت أوراقي آنذاك وأستسلمت لرغبته ، وأقنعني أحدهم بأن غدا سيفعل أبنائي ما فعلت ولكن أبنتي الآن لا تفعل، أبنتي تفعل كل ما تريد، أحاول جاهدا إقناعها بأنها مسئولة عن البيت وواجب عليها بقائها فيه والأهتمام بي، وأنها لا تحتاج للخروج فهي يوميا تذهب لعملها، لما تقول أنها تريد أن تتنفس؟! وماذا عني ألم أكن أحتاج إلى التنفس؟ ألم يكن لدي هوايات؟ كان لدي هوايات بالطبع وحينما رفضها أبي تركتها، إمتثالا لأوامره.

كيف وهى امرأة ترفض وتثور وتثابر على ما تحب وتنجح فى تحقيقة أحيانا كثيرة دون دعم.
أنا رجل وعجزت عن فعل هذا، كانت هناك أفكار كثيرة، رضا أبواي، الإيقاع بإحداهن وأن أتزوجها وأثبت ذكورتي، أن لا أعتذر عما بدى مني من أخطاء، وألا أحتضن فتاتي. فأنا رجل لا يمكن له أن يفعل عكس هذا ولا أن يوافق على مطالب أنثاه، ماذا سيقول الناس عني إن علموا . آتت هي تبدد كل هذا، تبحث عن مواعيد دوائي وتتابعني صحيا بالرغم من أنى لا أعرف عنها أي معلومات صحية، تتركني حينما أصرخ فى وجهها على أصغر وأتفه الأمور دون أن تثور، وعند العودة لا تعاتبني ولا تبكي، تهتم بمظهري وتصاحبني وتحب الكلام معي، كثيرا ما تبدأ هي ، وكثيرا أنهيه أنا.

تعتذر هي لتنال رضاي فأتدلل عليها وأرفض أعتذارها فتذهب وتعود إلى أن أرضى، ولكن فى المقابل تهزمني تسافر دوني بعد رفض قاطع مني ، تتحدث إلى آخرين وتضحك معهم رغم غيرتي وخوفي أن يستميل قلبها أحدهم إن أستمع لها – عكس ما أفعله معاها – . أسترق السمع أحيانا فأجدها تارة تعقد إتفاق عمل و تارة أحدهم يصالحها وتتدلل عليه وتارة قوية أبية ترفض من يقترب بصورة غير لائقة.

أحب إبنتي وأهيم بها، ولكنى لا أستطع مجاراتها أو الأقتراب منها.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى