جان الكسان - عرض حال

جان.jpg


تطامن القلم بين أنامل الصحفية الشابة الحسناء، وداهمتها خيبة أمل طاغية وهي تحاور الأديب الذي رد على أسئلتها بطريقه الخاصة، فكان الحوار بينهما مثل (حوار الطرشان).
– ولدت أيام (الثلجة الكبيرة) التي ما تزال الطرق والمنافذ حتى الآن.
* ولكن يا أستاذ..
– ولدت على يدي الداية بهية التي شدتني عنوة بأصابعها المعروفة الى دنيا المعاناة.
* انني أسألك عن عام ميلادك
– ولدت في فمي ملعقة من خشب، صنفتني مع الذين يعيشون على حافة خط المطر، وعلى حافة خط الفقر.
* يبدو أنك لم تستوعب سؤالي يا أستاذ.. سؤالي واضح ومحدد.. أريد أن أقدمك للقراء من خلال بطاقة تعريف ذات بنود محددة ومن خلال أسئلة موضوعة. أرجو أن تجيب عنها بوضوح.
– وماذ يهم إذا كنت من مواليد العقد الثالث أو الرابع من هذا القرن ؟
* سأتجاوز سنة الميلاد وانتقل الى السؤال الآخر: من أين أنت ؟
– من بلدة بعيدة، وادعة.. غافية على نهر الخابور.. كان ربيعها يورق حتى في تنور جارتنا السمراء، وأصبحت صحون الـ (دش) اليوم تثقل سطوحها الطينية المتعبة.
* ولكن على نهر الخابور أكثر من بلدة.. لا بأس سأنتقل الى السؤال التالي:
من أنت؟
– أنا قلم مرتهن للهم العام ؟
* ماذا نقول ؟
– لفلاح يرتبط مصيره ومصير مواسمه بمزنة المطر.. وطفل يحتضر جوعا في ساحل العاج، وشابة تنتظر حبيبها الغائب…
* أعيد السؤال: من أنت… أريد جوابا واضحا أرجوك.
– أنا صدى متجدد لأول نغمة أطلقها راع في الزمن القديم، عندما اقتلع قصبة عن شاطيء الغدير ونفخ فيها بعض الفرح والكثير من الشجن.
* لن ينشر لي رئيس التحرير هذا الحوار.. ومع هذا سأتابع معك.. هل تذهب الى السينما والمسرح ؟
– لماذا نذهب اليهما وقد قاما بغزونا في عقر دورنا عن طريق هذه القنوات المتزاحمة القادمة من الفضاء والتي توضعت تحت جلودنا وفي غرف نومنا.
كان قدماء اليونانيين قبل خمسة وعشرين قرنا يذهبون الى المسرح ليتأملوا كيف يتم تجسيد التراجيديا والكوميديا من خلال التشخيص وهم في حالة تحفز ومتابعة على حجارة المدرجات، ونسترخي اليوم في مقاعد التلقي الحيادي، لا نفرق بين التراجيديا والميلودراما، ولا بين الكوميديا والتهريج.
* سأنتقل معك الى الأسئلة السهلة لعلي أفوز بجواب واحد مفيد ويصلح للنشر: هل لك أصدقاء؟
– هم زمرة الود المتقطع، تشغلهم عني وتشغلني عنهم هموم السعي وراء الرغيف الذي ننتظم من أجله في الطابور، والحافلة التي تمر بنا كالضجة !لساخرة ونحن نقف على رصيف الانتظار، والأحلام المجهضة في اليقظة والمنام..
* سأنتقل الى سؤال أكثر سهولة: ماذا تشرب أثناء الكتابة
– استبعد المشروبات لأنها لا تقطع العطش ولا تحقق الارتواء
* لا بأس.. سأتابع معك: هل تشرب قهوة الصباح في السرير؟
– وما الفرق بين أن أشربها في الفراش أو في أي مكان آخر مادامت من قهوة السوق المغشوشة بالحمص المحروق..
* أنت تريد أن تبهرني بتلاعبك بالألفاظ.. لا بأس.. نتابع الأسئلة. هل تحلم بمواضيع للكتابة أثناء النوم ؟
– هل انتهينا من مواضيع اليقظة لنستوحي أضغاث الأحلام.
* على الرغم من ثقتي بآن رئيس التحرير لن ينشر هذا الحوار.. سأتابع هذا الحوار.. سأتابع هل تعشق المدينة؟
– أمارس فيها نوعا من (الغربة).. فأنا لا أعرف قصورها الفاخرة، ولا سياراتها الفارهة، ولا نساءها الأميرات، ولا مصارفها الموصدة في وجود الدراويش.
* هذا سؤال سهل.. أجبني عنه كما تريد: ماذا تشاهد عندما تقف أمام المرآة؟
– رجلا كهلا يمارس رياضة الحلاقة كل يوم ليخفي الشيب الزاحف الى ذقنه وفوديه.
* لنعد الى الأسئلة الصعبة: أية شخصية تاريخية أو أسطورية يمكن أن تشدك اليها؟
– لا أحب اللبوس المستعارة من الآخرين.. لا من الواقع ولا من الأسطورة، ولا من التاريخ.
* هل الكتابة رحلة قد نتوقف اذا تركرتها في منصف الطريق؟
– الكتابة هاجس مؤرق وليست لعبة طارئة.
* هل هي عالم بلا نهاية ؟
– قالوا: في البدء كانت الكلمة.. ولم يقولوا إنها ستكون في النهاية.
* هل حدث معك شخصيا أن أعاد التاريخ نفسه؟
– انه يعيد نفسه كل يوم، والا ما معنى هذا الرتابة التي تلف أيامنا، وما معنى سعينا الدؤوب بحثا عن الجديد والمثير والمختلف..
* ما هو المكان الذي زرته يوما وترك فيك أثرا؟
– مبنى في أثينا القديمة باليونان، كان مكانا لالتقاء الفلاسفة ورجال الحكمة وأصبح اليوم مقصفا للسيار الذين يستطيعون أن يدفعوا بالدولار.
* هل تدخن ؟
– لا أدخن لأحمي البينة من التلوث.
* لماذا اللون الأسود رمز الحداد والأناقة معا..
– لأن الحزن أنيق.. وقديما قيل: الحزن يليق
* ما أحلى ما في دمشق..
– أبوابها القديمة المفتوحة دائما..
* هل الزواج مقبرة الحب ؟
– لا.. انه مجرد قهوة باردة.
* لن ينشر رئيس التحرير هذا الحوار.
– اذن.. اذهبي وحاوري أحدى الراقصات.




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جان الكسان (قاص من سوريا)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى