زهرة مبارك - أن لا تختار المكان الذي ولدت به..

عند مفترق الطرق لمحتها عيني ،توقفت لأوصلها ،ركبت دون تردد ،لم أشأ أن أكلِمَها أردت أو أوصلها وفقط حتى لا تشعر بالخوف ،الشيئ الوحيد الذي فعلته هو ابتسامتي ،نظرت الي وقالت :
منذ اكثرمن سنة وانا أُريد وأبغي و أحلم ….
ومنذ أربعة أشهر وأنا انتظر موعد دفع ملف طلب تأشيرة ولما حل الموعد لم يأت سائق الطاكسي الذي اتفقت معه على إيصالي من المكان الذي أعيش فيه إلى مقر القنصلية …المهم ضيعت الموعد وضاع معه موعدا لطالما انتظرته… لأن المكان الذي اسكن به لا يوفر لساكنته إلا خطوطا داخلية
يومها فهمت ما معنى أن تسكن مكانا لم تختره …
والذي يعني أنك ستكون محظوظا بهذا المكان او تعيسا ،ويعني أيضا ان الحياة ستجبرك على العيش في مكان سيحُدُ حتى من نسبة الهواء الذي تتنفسه،فإن ولدت بعواصم البلدان التي تستنشق هواء غير الذي يستنشقه مولود الأماكن الرطبة المنعشة ستكون محظوظا وفعلا سعيدا بهذا حتى ولم تختره آنت وان حدث وان ولدت بمناطق قاحلة تغزوها الزوابع الرملية عل مدار السنة وينقطع فيها الماء لأيام ستجبرك الحياة على عدم شرب المياه بكميات كافية وعلى عدم الاستحمام لشهور
ويعني أيضا انك من شدة القساوة إن وُلدت في قرى صغيرة جائعة،فقيرة لا توجد إلا على خريطة الوطن ستعيشُ محدُود المعارف لا تعرف حتى الألوان ..صِدقاً أقُولُها لا تعرف من ألوان الأرض إلا الأبيض والأسود..
لا شيء يصلح للحياة ولا مناخا صالحاً لنفسية المقيم بهكذا أماكن
أن يكون لك موعدا هاما مع طبيب أو سفر لقضاء حاجة ولا تجد وسيلة نقل توصلك عند الموعد المحدد ستٌفْقَعٌ عينك أو معدتك أو ستُضيع فرصة الخروج من مكانك التعيس
عندما تجد حياتك بين التراب والزوابع والعطش والأحمرة والبغال وتضطرك الظروف للبس هذه البذلة الجبرية ستفهم ما أكتبه…
عندما يجعل مجتمع قبلتك » حب التغيير والعيش بجانب الحياة والبحر والفرص او حتى بجانب شجرة بدل حمار القبيلة « جريمة ستُنعتُ بأقبح الصفات ،بالخرَفْ بالجنون بالردة حتى..
نعم لأنه ولأنها لا تسكن المدن الكبيرة يعني أن تبقى هي هي وهو هو إن لم تنقذهما معجزة من البقاء على ذمة قبيلتهما..
لا أتكلم هنا على من يرون أنفسهم أسعد البشر لأنهم على رأي « هنري ميلر » لا يملكون أية نقود ،لا موارد ولا أمال
أتحدث عن المجبرين عن الموهوبين عن من يريدون أن يتعلموا ،عن الباحثين عن التعبير ،عن اللذين يعتقدون أن الحياة هي لذة العيش لا معنى انك ستموت
لا أتحدث عن المتعبين من الضجيج ولا عن الصامتين صمت الحكماء أتحدث عن الساكتين بسبب الخوف ،بسبب الخنقة ..
أتحدث عن المقتنعين بأن معنى الحياة هو أن في أن تعرف لما خلقت؟
.كأنثى مثلا هل خلقت لأنجب ، لأتزين للرجل ،لأنجب ،أم لأساهم في حل أو تأجيج صراع الحضارات؟
أتحدث عن شاب طموح كان عنده موعد للحصول على فرصة عمر واستيقظ قبل الفجر وانتظر عند قارعة الطريق ولم يمر حتى حمار ليحمل أساه ….
لا أتحدث عن « قسام الأرزاق »، ولا حتى عن عدم الرضا بالقضاء والقدر ..
أتحدث عن الرغبة في فعل شيء وعدم الاستطاعة،عن الظروف الذي تخيرك بين البقاء جائعا طيلة اليوم في مقر عملك البعيد عم مقر سكناك آو دفع تذكرة الوصول إلى البيت
أتحدث عمن يجدون صعوبة بالغة في الوصول إلى أماكن عملهم لأنهم لا يسكنون المدن ..انتبهوا..إنها امرأة نعم امرأة تستيقظ قبل الفجر وتنتظر أن يخرج شيوخ الحي لأداء صلاة الفجر لتطمئن وتخرج ،يكفي سعال شيخ ،يكفي جرُ أخر لحذائه الممزق لتشعر بأمان الضجيج ..وشتانا بين باحث عن ضجيج من هذا النوع وبين هارب من ضجيج المقاهي وأبواق السيارات وضديد الأمكنة التي اختاروا العيش فيها.

زهرة مبارك
  • Like
التفاعلات: وفاء سليمان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى