أحمد سلامة الرشيدي - إنك تحمل الصحراء في عينيك.. شعر

هكذا قالت أمي
و هي تشمُّني
و تضع وجهي الأملس بين راحتيها
قبل وداعٍ
طال تسع شتاءاتٍ باردة
أنا أحمد
ثامنُ اثني عشر أخاً
لم يعرفوا الغربة.
عُمري
تسعة وعشرون حلماً مؤجلا
جسدي
سبعون كيلو جراما من التوقّعات المعقودةِ عليّ
ليس لي عمودٌ فقاريٌّ أو قامةٌ ثابتة
أحيانا
أكون كالظلِّ في ساعة العصر
و أحياناً
أكون صبارةً ذابلة
لي شعرٌ كجريد النخل
وجبهةٌ منبسطةٌ كالوادي
و لي عينان رائقتان
أبصرت بهما مملكة من الجن في المندل
وحين احتلمت أول مرة
حجبوني عن الفنجان
شكَّلني الله من رملٍ داكن
ثم قال للريح : "اختبريه"
فما أبقت إلا على حفنةٍ خشنةٍ
في موضع القلب.
كسر بإزميله قطعتين لامعتين من "قور المَلك"
و قال
" ليكن فيكما نورٌ "
فأبصرتُ في العتمة.
زرع في شعري
ثلاثَ نخلاتٍ وافرات السعف
و لمّا بسَقتْ،
جسَّ قلبي بإصبعيه
فلم يحسَّ شيئاً
لا نبعاً و لا عاصفة
لا نصلاً و لا وردة
قال
" إلى الرحلة وهبتُك
رجلك اليمنى حصى،
و الأخرى سحاب "
تسع سنينَ يُمَّه
تنكرت لي صحراءُ الله الخضراء
و أنكرتني المدينة
حصاي يصمُّ آذان الشوارع
يأمرون بقطع رجلي
بتهمة " التشويش على الإيقاع "
تنزف رحلتي رملاً
و أضمُرُ
كالحُب
كالموت
كالرغبة في سماع حكاية جدتي
تخبرني
عن الله المسافر في القوافل
تسع سنين يُمَّه
لا أنا من هنا
و لا أنا من هناك
نذرَني اللهُ للتيه
أحزم الصحراء في قلبي
أخاف أن تنفرط
و يضيعُ كل شيء


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى