أمل الكردفاني - العزلة الكاذبة

ما يطرحه المثقفون عن العزلة هو في الواقع تسخيف للتوحد القسري وتنمية لنرجسية التعالي على العالم داخل الذات. الاعتزالوية هي ما يكرسونه وهي تتحول لآيدولوجيا كاذبة..وهم يدركون أنها كاذبة لأنهم يلجأون إلى العالم حينما يمارسونها.
العزلة التي تنتجها العبقرية هي عزلة تقتل الحياة لتنجب الحياة على شاكلة مغايرة...وهذا نادر.. فأؤلئك النائحون بالاعتزالوية لا ينتجون حياة مغايرة ، بل ولا ينتجون شيئا سوى تضخيم الذات.
لقد انكرها مسكويه كثيرا وردد تنديده بها طوال حياته.
ليست العزلة الحقيقية سوى توهان شاسع في صقيع الكون..إنها ليست اختيارية بالمرة لأنها مريرة ومؤلمة...وهي نتيجة وعي خاطئ بالعالم ؛ لأنه وعي ينطلق من طوباوية وينتهي بالعجز ؛ وعي ناقص لأنه لا يفهم التناقضات ولا يصدقها ، وهو وعي عاجز لأنه قسري وإكراهي وعنيف. إن العزلة الحقيقية تنتج أنواعا ثلاثة من البشر؛ إرهابيا ، فنانا عدميا ، كائنا بلا كينونة وأعزل أكثر من عزلته.
أما الاعتزالوية فليست مرتبة شرف ؛ بل اتضاعا يتقنع بعظمة مخاتلة...رفضا للمعايير ، تسفيها للأحكام ، وتدميرا لكل ما واجهه الاعتزالوي من أدوات التهميش.
الاعتزالوية شعور عنصري مضاد لعنصرية البرادايمز المحيط بالاعتزالوي. وإذا كان التمرد المفضي للانتصار صعبا فالتمرد المؤسس على الحرب المعنوية أقل تكلفة..لأنه لا يفضي لأي نتيجة مرضية.
ينهزم الاعتزالوي ويظل منهزما وهو يحول هزائمه المتتالية لنصر في أفق خياله المضطرب وضلالاته الفصامية ، التي تمنحه القدرة على الطيران وهو لا يزال على الأرض.
تلك إذن هي العزلة الكاذبة.
ولكن ما البديل؟
إن الاعتزالوي لا يملك بديلا لأنه أجوف وخاو ؛ متأله كصنم مزيف ، أما المعزول قسرا وجبرا فهو من يموت ورحمه منتفخ بالأجنة..فحتى لو لم ينجبها ؛ تظل رائحة دمائها السوداء ملتصقة كعلامة خزي على جبين العالم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى