فنون بصرية محمود رمضان الطهطاوي - الدادائية فوضى الفن.. رؤية فنية

في عام 1916م وفي مدينة زيورخ السويسرية وإبان الحرب العالمية الأولى قدم «هوبوغال» الذي ينتمي للمفكرين والشعراء والمهووسين بالفن، واستطاع أن يؤجر صالة في ملهى ليلي يعرض فيها جنونه الفني وهو وأترابه، وسرعان ما عرف الكباريه باسم «كباريه فولتير» بما يقدمه من نزق فني من شعر وغناء وعروض فنية خارجة عن المألوف وسرعان ماعرف هذا التجمع باسم «دادا» ومكان يرتاده أهل الفن والأدب من كل أقطار أوروبا مثل: بيكاسو، مارينتي، كاندنسكي، مودلياني.. إلخ.

وسرعان ما انتقلت الدادائية كالجرثومة إلى نيويورك وبرلين، تقدم الفن بأسلوب فج.. ضجيج موسيقى، فن تشيكلي قبيح ينهل من كل نفايات الطبيعة، وأصدروا مجلاتهم الخاصة التي تحمل رسالتهم وكما يقولون في بيان لهم: «دادا.. هي لا شيء، لا شيء، لا شيء. إنها مثل آمالكم: لا شيء».

وراحت هذه الجماعة التي انتشرت في الغرب تبشر بأفكارها التخريبية، ونزعتها الباعثة على الهدم.. وكما يقول علي شوك في كتابه «الدادائية بين الأمس واليوم»: كأنهم ينفذون فلسفة باكونين التي تتجسد في الكلمات التالية: الهدم هو بناء أيضاً.

ويبعثون من جديد دعوة المستقبليين في تدمير كل آثار الماضي، فأهانوا فينوس دي ميلو، ومسخوا الموناليزا (أضافوا إليها شاربين)، وعرضوا بعض معارضهم في أماكن لا تليق بالعرض.. إلخ.

وواصلوا تخريبهم وتشويههم الجمال باسم الفن والأدب.

ولكن هذه الجماعة وئدت في عام 1992م وانتهى عبثها الصبياني الجنوني ولم تستطع أن تصمد أمام الفن الحقيقي والإبداع الأصيل.. إلا من بعض خروج فردي لا يذكر.

لماذا نتذكر هذه الجماعة الخربة الآن؟.

لعل المتابع يلاحظ أن الفضاء الإلكتروني بكل وسائطه ووسائله أتاح للكل أن يقدم ما يريد.

ووسط ضجيج الفن الذي أتاحه الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، وقنوات اليوتويب، نلاحظ أن الدادائية بفكرها الهدام وخروجها عن أدبيات الفن.. بدأ فكرها ينتشر على أيدي شباب متمرد على الواقع.. وإن أخذت مسميات مغايرة.. فما معنى هذا الصخب الموسيقي المصاحب لغناء هابط المنتشر بين فرق الشباب، وما قيمة هذه الشخبطات والمجسمات التي لا ترمز إلى أي شيء!!.

إن كانت الدادائية انتشرت وترعرعت إبان الحرب العالمية الأولى وما صاحبها من دمار وصراع، وأحوال اقتصادية واجتماعية مؤلمة، فالشيء بالشيء يذكر، فالعالم الآن يعيش صراعاً أشد مما كانت عليه الحال آنذاك.. خصوصاً في الشرق الأوسط وما أحدثه الربيع العربي من شرخ في الحياة بكل ما فيها..

فهل ما يحدث من عودة إلى رفض الواقع بكل ما فيه، هو خروج منه أم هروب؟ وفرق شاسع بين التجديد والتدمير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى