فهد الاسدي - الراضوع

- انقذف من رحمها كما تنقذف بيضة طائر الزعر فتسحب منه الدم والشحم –
- سبح الوليد في بركة من الدم والاحشاء – شهقت الام ثم راحت في غيبوبة بعد ان كابدت من الالم الكثير-
- لقد انتظرته بعد سنين من العقم وبناء على نصيحة من محبة قالت لها : دعي الشيطان ينام معك اذا كنت بشوق الى الولد وايما ولد حتى ولو كان ثمرة شيطانية –
- كانت صرخته بشعة غير انسانية – لم تكن تلك صرخة الحياة الاولى بوجه الاختناق بل صرخة جوع-
- لم تسمع الام اثناء غيبوبتها الصرخة – القابلة وبعد ان قطعت حبله السري هي اول من اكتشف ان هذا الوليد راح يلغ ماصا الدماء حوله بنهم –
- استعاذت من الشيطان ونبهت الواقفات – صرخت احداهن وهي تهرب : ما هذا – ما هذا بشرا –
- بدأ الطفل ينمو بسرعة – بعد ساعة وحين نفذت الدماء المحيطة به بدا يصرخ صراخا موجعا غير انساني ابكى الحاضرين –
- فتحت الام عينيها على الصراخ وهتفت بوهن :
- مابالكم – قربوه من ثدي – قرب بصعوبة لثقل وزنه من ثدي امه و راح يمصه بنهم – ابتدا الامر بلذة وعذوبة احساس امومي لذيذ وهي ترضع وليدها الوحيد بعد ذاك الخدر اللذيذ –
- هجمت الاوجاع حين اكتشفت الام ان الوليد قد طالت رضعته –
- بدا يشخب من دمها الحقيقي – قاومت بوهن – حاولت ان تدفعه ولكنها وجدت فكين قويتين تمسكان حلمتها كالكلابتين –
- اشارت للاخرين ان يبعدوه – صاتت ولكن صوتها لم يتجاوز حد البلعوم فلم ينتبه لاستغاثتها احد –
- راح الوليد يكبر ويكبر – بعد ان خلف الام جثة هامدة –
- بعد فترة عاد من جديد الى الصراخ – كان صراخا موجعا غير انساني ملا الاخرين أسى" –
- قادوا البقرة قريبا منه – شب وكالافعوان ((الراضوع)) أمسك ضرع البقرة وراح يعب منه –
- ظل ساعات يمص ويمص – اخذت البقرة ترفس وترفس بلا جدوى اذ كان يلتف بها كعلقة حتى سقطت جثة هامدة –
- ومر الاسبوع الثالث وقد تضخم حجم الطفل فراح برجليه يسعى الى مراح البقرات فيختار أيا" من البقرات المربوطات ويمصها مص الافعوان الراضوع حتى تسقط –
- لا احد من العائلة يجرؤ على الاقتراب منه – كان ما يدمر اعصاب العائلة حقا هو ذلك الصراخ الموجع غير الانساني الذي يصدره الطفل حين يجوع –
- وكانت الاحتجاجات تذوب امام سياط الجوع هذه –
- تركوه فاجهز بعد الاسبوع الثامن على البقرات السبع في الدار –وصارت مهمة العائلة تجهيز واطعام هذا الطفل كي يسدوا دروب صراخه على اذانهم بلا جدوى حت فر اخر العائلة من هذه المهمة وخلت من ساكنيها الدار –
- تعالى صراخه فسدوا عليه الطرقات واغلقوا الابواب وراحوا ينظرونه برعب – ملأوا خروق الجدران والثقوب وما زال االصوت يصلهم منه –
- مرت اسابيع واسابيع ثم ساد صمت –
- خطوة وراء خطوة تراصت الخطوات المقتربة من الباب المغلق –
- حين فتحوه وجدوا ان الطفل قد شاخ خلال هذه الاسابيع وابيض شعره وهو يرقد جثة هامدة –
- كان قد شق في زنده ثقبا وارتضع دماء وريده –
- فهد الاسدي – 1995 –

- ----------------------------------------
1 - الراضوع : نوع من الافاعي تعيش في الاحراش والاهوار وتكمن تحت الحرش فما ان تمر بقرة او جاموسة حتى تعلق في ضرعها وتمصه حتى تموت –
2 - نقلت هذه القصة من مخطوطة للكاتب الكبير بخط يده ولم يعثر على نسخة من عدد جريدة الثورة والتي نشرت فيها عام 1995 لذا اقتضى التنويه -

* قصة (( الراضوع )) للقاص الراحل فهد الاسدي والتي هاجم فيها النظام الدكتاتوري السابق وتنبا بسقوطه والتي تعيد تاتو نشرها لمنح فرصة للقراء للاطلاع على نتاجات قاصنا الراحل.

* عن جريدة تاتوو

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى