نزار حسين راشد - قلب أم..

تُرى من يجرؤ على التطفُّل على قلب أُم، ليسرق منه شيئاً من الحُب، ذلك الحُب المنذور قرباناً منذ الولادة، والموهوب مجانأً لأولئك القادمين الجدد، وهم بعد مشروعاً في ظهر الغيب، ذلك الحب الذي يخُطّ مسار حياة، بين بدايةٍ ونهاية، هي مسيرة عطاءٍ يتجدّد في كُلّ خطوة ليخلع على الأُمومة قداستها، تلك البذرة المدفونة في أعطاف القلب، والتي تهيم وتينع، منذ يُطلُّ بوجهه ذاك الوافد الجديد، ثُمّ تنتشر لتصبح جنّةً يدِبّ فيها بقدمه، مُشيعاً بكُل ابتسامات السعادة والرضا!

من يجرؤ، بل من يغامر، على مشاركة ذلك الحُب، دون شعورٍ بالخطيئة؟!

ولكن لبروميثيوس قلبٌ لا ييأس، لم يستطع أن يقاوم الغواية، فاقتحم الحصن وتسلًق الأسوار، واختطف قبسة وهرب، ولم يجرؤ على المكوثٌ في الجوار خوفاً من أن تسترده تلك الأم الغيورة!

سرق القبس وأودعه في قلبه، فمن سيدفيء دماءه الباردة غير تلك الشعلة القدسية ، ومن سيمنح الأمل والسكينة، غير تلك القبسة الخالدة؟

لقد عاد بروميثيوس بالغنيمة، ووزعها على قلوب العشاق، ضمانة لدوام الحياة، زرعها كجمرٍ تحت الرماد، لايزال يتقدّ ويتقد، مستمداً حياته من الحب الأول،الحب الأموي!

شكراً بروميثيوس، فكلنا يظن أنه العاشق الوحيد، العاشق الأول، وهكذا يمضي قطار العالم دون أن ينفد وقوده متنقلاً بين المحطات، ليتيح للعشاق فرصة اللقاء، وللشعراء فرصة الإبداع، ولكل فمٍ وعينٍ ويد، لتعبر عن ذلك المكنون، أو ترسمه، بطريقتها الخاصة، فبغير الحب لن تدوم حياة، فمن سيرعى ويسقي ويتعهد، تلك النبتات الصغيرة، غير قلب أم عاشقة، تجرّأتُ أنا، وسرقتُ من قبسه شيئاً، انا بروميثيوس الجديد، الذي لا يردعه رادع، لقد صنعتُ حياتي على ضوئه، وإلا لكنت الآن في عداد الأموات، جذعاً يابساً، وعرجوناً قديماً، فاعذريني أيتها الأم التي لا حدود لحدبها، ولا نضوب لمعينها، فلن تنقص البحر غرفة ولا النبع رشفة، أفلا تكافئين ببسمة ذلك اللص العاشق؟!!

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى