محمد البالي - جنازة رجل.. قصة قصيرة

يخرج من بيته صباحا إلى مقهاه الأليفة خلف الشارع الرئيس. ينتظر الرواد المداومين ويشرع في تناول " السبسي"، يملأ " الشقف" ويعب عبتين، يتصاعد الدخان من خياشيمه ويلاحقه بعينين تدب إليهما الحمرة رويدا رويدا. كلما قاربت ميكة الكيف من نهايتها صغرت عيناه. يشفط جبدة واحدة ويمد عصا لفاثة إلى واحد من مجمعه يتداولها بالتناوب مع آخر في نظام وانتظام.
يتوقف التعمير والشفط والنفث لحظة فيشرع في الوعظ والإرشاد، تختلط الروايات وتتعاند في التكبير والتحميد وذم الدنيا، يعاود الراضي تناوب طقوس الكيف الصافي والممزوج مع من التحق ومد له سبسيا أو تعميرة جديدة. تتداخل الأخبار والتنبيهات والمواعظ الدينية، يتراخى لغوه مع مرور الوقت، ودون سابق إشعار ينتعل ما خلع من رجليه بلغة أو حذاء ويسارع المؤذن، حتى إذا بلغ " حي على الفلاح" فرغ من وضوئه السريع وشرع في تحية المسجد.
يتقدم الإمام، يكبر المأموم وجنبه صاحبنا شاهرا:
- " الله اكبر".
عشرون عاما والراضي على عادته من الصبح حتى العشاء، لكنه اليوم لم يغازل امرأة على طريق ، ولم يتوسط جلسة المقهى ، ولم يسابق المصلين، لم يظهر له أثر. وبعد العصر، اصطف أغلب من حضر، وبعض من يداوم في المصلى، خلف سبعة محامل يؤدون فرض كفاية، ثم سار المحمل بموكب إلى حيث يشير حفار القبور، تحلق أقاربه ومَن عَلِم من الحي ومن أصدقائه، أقربهم يساعد لينزله ممددا في متر ونصف، وأغلب الوقوف يتلون وهم يتسابقون:
- اللهم إن صاحبنا قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى