عبدالقادر وساط ( أبو سلمى) - حملة اعتقالات جديدة في صفوف الشعراء

قال ابنُ عساكر في (تاريخ نجدان): أخبرنا ابن صاعد، قال: أخبرنا أبو الحسن حازم عن ابن بَرْهان، قال :
كنا يوماً في مجلس ابن علي نتناشد الأشعار، وكان معنا أبو محمد الأسود، المعروف بالغَنْدَجَاني، فذكرَ قولَ الفضل بن عباس:

وأنا الأخضرُ منْ يَعْرفني = أخضرُ الجلْدَة في بيتِ العرَبْ

وإنما يقصد بقوله ( أخضر الجلدة) أنه شديد السمرة، لأنه من خالص العرب وصميمهم.
وكان ابن علي متكئا، فلما سمع هذا البيت استوى جالساً وقال:
- يا أبا محمد، لقد ذكرتني بأمر نسيته. فقد كنت عازما على اعتقال هذا الشاعر لأسباب لم أعد أذكرها ثم شغلتني عن ذلك مشاغل.
إثر ذلك دعا ابن علي صاحبَ شرطته، وأمره باعتقال الشاعر الفضل بن عباس في أقرب الأوقات. ولم يكد صاحب الشرطة يغادر المكان حتى دعاه ابن علي من جديد، ثم أمره باعتقال كل من يَحمل اسمَ الفضل من الشعراء!
قال ابنُ بَرهان:
فلم تمض أيام حتى اعتُقل عدد كبير من الشعراء، من الذين اسمهم الفضل :
- فمنهم الفضل بن عباس ، صاحب البيت المشؤوم . وقد بلغني أنه لما قبض عليه رجالُ ابن علي ، شرع يردد أبياته المشهورة :

مهلاً بني عمّنا ، مهْلاً مَوالينا = لا تَنْبشوا بيننا ما كان مدفونا
لا تَطْمعوا أنْ تُهينونا و نُكْرمَكُمْ = وأن نكُفَّ الأذى عنكمْ وتُؤْذونا
اللهُ يَعْلم أنّا لا نُحبكمُ = ولا نَلومكمُ إنْ لمْ تُحبّونا

- و منهم الراجز الفضل بن قُدامة، المشهور بأبي النجم العجْلي. و لهذا الشاعر عداوة قديمة مع ابن علي، رغم أن الطاغية يحب قوله :

والمرْءُ يُدْنيه من الحِمامِ
مَرُّ الليالي السُّود والأيامِ
إن الفتى يُصبح للأسقام
كالغرَض المنصوب للسهامِ
أخطأ رامٍ و أصابَ رام

- ومن الشعراء الذين جرى اعتقالهم، الفضل بن عبد الصمد بن الفضل الرقاشي، وهو القائل :

ونحن أناسٌ ما تفيض دموعُنا = على هالكٍ منّا وإنْ قَصَمَ الظهرا

- ومن المعتقلين كذلك، الشاعر الفضل بن العباس بن جعفر، غير أن الطاغية أمر بإخلاء سبيله لما عرف أنه كوفي!

- ومنهم الفضل بن إسماعيل بن صالح بن علي، و هو شاعر من أهل قِنّسْرين. وله أبيات جميلة على المنسرح، يشكو فيها إصابته بداء النقرس:

أشكو إلى الله ما أصبْتُ بهِ = منْ ألَمٍ في مفاصل القَدَمِ
فالحمد لله لا شريك لهُ = لَحْميَ للأرضِ بَعْدها و دَمي

- ومنهم الفضل بن هاشم بن حُدير البصري، صاحب البيت المشهور:

أنا فضْلُ بنُ هاشمِ بنِ حُدَيْرِ = لم أقلْ مُذْ خُلقتُ كِلْمَةَ خَيْرِ

قال ابن برهان:
فلما جاء صاحب البريد وأخبر ابن علي باعتقال الشعراء المذكورين، وقفَ الفضل بن العباس الكوفي- الذي كان الطاغية قد عفا عنه، كما تَقدم - وطلب أن يؤذن له بالكلام ، ثم شرع ينشد بصوته الجميل قولَ ابن العميد الفياض:

قلْ ليحيى بن عليٍّ و الأقاويلُ فنونُ = أنتَ عينُ الفضل إن مُدّتْ إلى الفضل عيونُ
أنت منْ عَزَّ به الفضلُ و قد كاد يهون = فُقْتَ من كان و أتعبْتَ لعمري من يكون

فأمر له الطاغية بخلعة و أجزل له العطاء ، ثم سيّره إلى الكوفة على ظهر بغلة زرزورية شهباء .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى