عبدالسلام بن عبدالعالي - راهنية التفكير الفلسفي

لو أننا حدّدنا الفلسفة على أنّها فن إطلاق العنان للأفكار العامة المتناقضة فيما بينها بصدد أيّ موضوع من الموضوعات، فإننا نستطيع أن نؤكد أنها قديمة قدم العالم، وأن التفكير الفلسفي وجد منذ وجد البشر الذين ينطقون ويتكلمون، أما إذا لم تكن الفلسفة مجرد ممارسة للتفكير، أما إذا كانت، كما يقول هيغل، طريقة خاصة جدًّا في التفكير، فإن الأمور ستتخذ منحى آخر.

نتجه نحو هذا المنحى إن أولينا اهتمامنا إلى اللفظ «فلسفة» الذي يقول عنه هايدغر: إنه يتكلم يوناني. لفظ «فلسفة» في جميع اللغات نقل حرفي عن اللغة اليونانية. الفلسفة تسمى في جميع اللغات «فلسفة» كما يلاحظ بوفري. يصدق هذا على لغتنا العربية، لكن أيضًا على اللغة الإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية والروسية بل حتى الصينية. جميع اللغات تنقل اللفظ اليوناني وتنقلنا، نحن المتقصّين لأصول الفكر الفلسفي، إلى يونان حيث ازدهرت أشكال جديدة من التنظيم السياسي سمحت للنظام الطبيعي أن ينفصل عن الوظيفة السياسية، كما مكّنت التفكير من أن يتخلص من الطابع الأسطوري الذي كان يروي حكاية تعطي حلًّا لسؤال لم يوضع؛ كي يعرض نفسه في صيغة أسئلة أصبح الجدال حولها مفتوحًا وفي الساحة العمومية.

ليس من قبيل المصادفة إذن أن ينفصل الفكر الفلسفي عن الفكر الأسطوري عند الإغريق نتيجة لذلك الشكل الخاص من المؤسسات السياسية الذي يُدعى «مدينة» والذي يحقق على مستوى الأشكال الاجتماعية، الفصل بين الطبيعة والمجتمع، وهو الفصل نفسه الذي تفترضه ممارسة التفكير العقلاني على مستوى الأشكال الذهنية. مع ظهور «المدينة» انفصل البوليس عن الكوسموس، انفصل التنظيم السياسي عن النظام الكوني، وظهر كمؤسسة بشرية تخضع لبحث دائب وجدال متواصل، فأخذت مجموعة بشرية ترى أن شؤونها العامة لا يمكن أن يُتخذ فيها قرار إلا بعد جدال عام يواجه أفكارًا متناقضة فيما بينها، يساهم فيه الجميع وتتعارض فيه الخطابات المدعَّمة بالبراهين والحجج.

يشكل مفهوم الجدال والمحاجّة التي تقبل باختلاف الآراء وتضاربها شرطًا أساسيًّا لكل تفكير فلسفي. فلا فلسفة إلّا إذا سلّمنا أن جميع الأسئلة والقضايا يمكن أن تكون موضع جدال مفتوح. نقضي على التفكير الفلسفي لحظة إيقاف ذلك الجدال باسم عامل يَخرج عن آلية الجدال ذاتها، واسم سلطة ليست هي سلطة العقل. حتى سلطة العقل هذه لا ينبغي أن نفترضها محكمة عليا وشيئًا متعاليًا بعيدًا من عملية الجدال يُملى عليها القواعد ويُبين لها الطريق. إنها، على العكس من ذلك، محايثة لذلك الجدال متصلة به. بل إنها لا تنمو إلا في ثناياه، ولا وجود لها خارجَه، وهي ليست في نهاية الأمر، إلا تلك التقنيات الذهنية التي تختص بها ميادين معينة للتجربة والمعرفة. معنى ذلك أن العقل ليس مبادئ تُملَى وقواعد تُطبّق، إنما حياة تمارس، وتقنيات تُنظم وفقها الأفعال والأقوال، والتجارب والمعارف؛ كي تجد هذه كلُّها التعبير عنها في لغة ملائمة تكون موضع عمليات ذهنية خاضعة لقواعد تتحكم في لعبتها. إذا سمحنا إذن لعوامل خارجية بأن تتدخل في هذه «اللعبة» حِدْنا عن التفكير الفلسفي، وقضينا على العقل وخنقنا العقلانية. معنى ذلك أن سمة الانفتاح وعدم الانغلاق – الانفتاح على المستقبل وعلى الآخر- شرط أساس، لا لاستمرار التفكير الفلسفي وانتعاشه فحسب، إنما لميلاده ونشأته.
خاصية مستحيلة التحقق

هناك خاصية مزدوجة للفكر الفلسفي إذن، وهي (خاصية) قد تبدو متعارضة الأطراف مستحيلة التحقق: فهو يفترض ذاتًا نختلف معها ونجادلها، إلا أننا ننفتح عليها ونتفاهم معها في الوقت ذاته. فلا تعني العقلانية مطلقًا الإجماع حول رأي واحد إنما تتعارض مع ذلك الإجماع. لكنها لا تعني كذلك عدم التفاهم المطلق. أكاد أقول: إنه إن كان هناك تفاهم منشود هنا فلا وسيلة إليه إلا الانطلاق من سوء التفاهم ذاته، وإن كان هناك إجماع فلا طريق إليه إلا الجدال الذي يقبل بتعدد الآراء واختلافها وتضاربها. وهكذا سيغدو «الاختلاف رحمة»، وتغدو العقلانية طريقًا مفتوحًا على المستقبل، متفتحًا على الآخر، وتصبح حياة تُغزى وتكتسح، وتجربة تُغذّى وتُرعى، ونضالًا متواصلًا ودربًا لا نهاية له.

طبيعي، والحالة هذه، أن يعرف مجال المعقولية تحولات بتجدد المقاومات التي تقوم أمام العقل أثناء فعاليته. فالعوائق التي يواجهها العقل لا تظل هي هي. نعلم أن تلك المقاومات اكتست أسماء متنوعة حسب الحقب وحسب الفلاسفة وحسب المجالات، فاتخذت اسم العوائق الإبيستمولوجية تارة، واتخذت اسم الفكر الأسطوري تارة أخرى، كما ضُمّت تحت اسم الأيديولوجية في غالب الأحيان. لا يسمح لنا الوقت هنا بأن نخوض في عرض تاريخي لتلك العوائق. ويكفي أن نتوقف عند ما يعنينا، فنتساءل عن العوائق التي يواجهها التفكير الفلسفي اليوم؟ وماذا يستطيع حيالها؟

عندما نتكلم عن عوائق متجددة فلا يعني ذلك بالضرورة أن العوائق التقليدية مضت وامّحت: لا يعني أن المعرفة غدت تتم في جو من المسالمة والهدنة، كما لا يعني أن عالمنا غدا متحررًا من كل طابع أسطوري، وهو لا يعني بالأولى أنه عالم بلا أيديولوجية كما يقال. قد تكون كل هذه العوائق لا تزال حية فاعلة، إلا أنها لم تعمل إلا على تغيير حُلَّتها. لا شك أن هذا يصدق أكثر ما يصدق على العوائق الأيديولوجية التي يظهر أنها غدت تعمل في عالمنا على غير النحو الذي عملت به حتى الآن. عندما كانت الستينيات من القرن الماضي تقابل بين «العلم والأيديولوجية»، أو بين «الحقيقة والأيديولوجية»، فإنها كانت ترى أن الآلية الأيديولوجية تتمثل أساسًا في كونها أداة لخلق الأوهام وتغليف الحقائق دفاعًا عن المصالح.

ليس في إمكاننا اليوم، بطبيعة الحال، أن نقابل بين التفكير الفلسفي والأيديولوجية إذا اقتصرنا على هاته المعاني عن الآلية الأيديولوجية. ذلك أن هاته الآلية لم تعد اليوم تتمثل في الدفاع عن المصالح، لا يمكننا أن ندرك الآليات التي تعمل وفقها الأيديولوجية إن نحن بقينا تحت قهر «نظرية المصالح»، ولا حتى نظرية الاستلاب. ذلك أن هذه الآلية أصبحت تلعب دورًا مهمًّا من حيث هي إعادة إنتاج لعلائق الإنتاج، وكونها الأسمنت الموحّد للمجتمع، المغلّف لتناقضاته، المقنّع للاختلافات فيه، الباثّ لنوع من الرأي الأوحد الذي يكبل التفكير ويقتل الاختلاف ويخنق كل روح نقدية. إنها الآلية التي تجعل التناقض انسجامًا، والاختلاف تطابقًا، والتعدد وحدة. الأيديولوجية لا تقتصر على الدفاع عن مصالح، ولا على القلب والتغليف، ولا حتى على خلق الأوهام، وإنما تذهب حتى تغليف التناقضات وقهر الاختلافات لخلق الوحدة والقضاء على التعدد.

على هذا النحو فالآلية الأيديولوجية آلية فعّالة. إنها ليست مرآة عاكسة منفعلة، تعكس الواقع الاجتماعي وما يتفاعل فيه، وإنما هي عامل محدّد، وفعالية نشطة، ومقاومة مستميتة. الأيديولوجية قدرة جبّارة على التلوُّن والتقنّع، وقدرة خارقة على التلوين والتقنيع وخلق الأوهام، إلا أنها لا تكتفي بتشويه الأفكار وقلب الحقائق، ووظيفتها ليست وظيفة إبيستمولوجية ما دامت آلية لخلق التطابق وقهر الاختلافات. لو نحن استعملنا الأيديولوجية بهذا المعنى لغدا من المتعذر علينا الحديث عن موتها كما يتداول اليوم، ما دامت آلية أساسية، لا أقول لخلق الواقع، وإنما لخلق «ما يعمل كواقع» على حد تعبير فوكو.

فهذه الآلية تتمثل اليوم في جعل الواقع مفعولَ ما يُصوّر به وما يقال عنه. المنطق المتحكّم هنا منطق غريب يمزج بين الحلم والواقع، ويخلق الواقع الذي يتنبأ به فينبئ عنه. هذا المنطق هو المتحكم في آليات الإعلان والدعاية حيث تغدو الأيديولوجية هي ما يجعل الأشياء حقيقة بمجرد التأكيد الدائم على أنها كذلك. إنها لبّ لا واقعية الواقع، لبّ «سريالية الواقع». هو إذًا واقع يفقد شيئًا من الواقعية، واقع يتلبس الوهم ويتحوّل إلى سينما. لا عجب إذًا أن تغدو الشاشة اليوم صورة عن الواقع إن لم تكن هي الواقع ذاته في مباشرته وحيويته وحياته. مع ما يتمخض عن ذلك من تحوّل لمفهوم الحدث نفسه حيث تغدو الأحداث الجسام وقائع مشتتة يجترها الإعلام كي يحشرنا في الراهن ويغرقنا فيه.
توتاليتارية الإعلام

قد يؤخذ علينا هذا الانزلاق من الحديث عن التفكير الفلسفي إلى الحديث عن الأيديولوجية فالإعلام. إلا أننا نرد بالسؤال: هل يمكننا اليوم أن نتحدث عن التفكير الفلسفي، وعن العقل وإمكاناته من دون هذا الربط، ومن غير الحديث عن الآلية الأيديولوجية وما تمثله وسائط الاتصال كمعوقات لذلك الفكر؟ ألا تشكل تلك الوسائط غذاءنا اليومي إلى حدّ أن بإمكاننا أن نتكلم اليوم عن توتاليتارية الإعلام، شريطة أن نرى أن التوتاليتارية هي كذلك تعمل في عالمنا على غير النحو الذي عملت به ربما إلى حد الآن. فليس وراءها اليوم نازيٌّ مُتشنِّج ولا شيوعيٌّ متعصِّب، إنما وراءها الإعلام بما يولِّده من أفراد فقدوا القدرة على إدراك حقيقة التجربة الفعلية، أفراد لم يعد في إمكانهم أن يستشعروا حقيقة العالم الواقعي، ولا معنى ما يتم فيه، وغدوا عاجزين عن تحديد صحة الخطابات، بل إنهم صاروا فاقدين لأدوات تمحيصها، وأصبحوا مستعدين لأن يتقبلوا أيّ خطاب حول العالم. إنهم أفرادٌ فقدوا كل معيارية، فقدوا القدرة على التفرقة والتمييز، القدرة على التفكير.

فقدان هذه القدرة، أو ما يطلق عليه البعض «الدوخة الأيديولوجية»، أليس هو ما أصبح يولّد هذا الهروب إلى الأمام الذي يطبع النزعات الأصولية والذي يجعل جيلًا بكامله يشعر أن العقل لم يعد يقوى على شيء، وأن لا حيلة له أمام العوائق مهما كانت: قديمها وجديدها؟ أليس هو ما يوجد وراء الفكر الوثوقي الذي لم يعد مجرد فكر نظري يتقبل الآراء بعيدًا من كل روح انتقادية، إنما غدا موقفًا أخلاقيًّا- سياسيًّا بالأساس، بل موقفًا شديد العنف، يتجلى عنفه، لا بما يصدر عنه من أقوال، بل بما ينطوي عليه من آلية موحدة ترفض كل تعدد للآراء واختلاف للمواقف، وكل تردّد بين شك ويقين. وهو الأمر الذي يدفعه إلى أن يُدخل كل الأمور في دائرته فيجبرها على الخضوع لمنطقه، مع ما يقتضيه ذلك من آلية إكراهية. وقد سبق لنيتشه أن بيّن أنّ كل آلية موحدة، لا تكون كذلك إلا بما هي تنظيم وإكراه وإقحام، وإلا بما هي مقاومة فوضى الكثرة، وسَنّ منطق الهيمنة والإخضاع والقهر.

هذه الآلية هي التي تمنع الوثوقي من أن يقبل بتعدّد الآراء، وبالأحرى اختلافها. لكن، قبل أن يرفض الوثوقي الاختلاف مع غيره، يبدأ أولًا بالامتناع عن الاختلاف مع نفسه، أو، على الأصح، بالخضوع لاستحالة الاختلاف مع الذات. قبل أن يسدّ الوثوقي الأبواب على الغير، يسدّها على نفسه، و قبل أن يمارس عنفه على الآخرين، يرزح هو نفسه تحت ضغط البداهة وعنفها. فالوثوقي لا يُخضع فكره للمنطق، بل إنه يخضع كل شيء لمنطقه هو. من هنا ذلك الادّعاء بالإحاطة بكل شاذة وفاذة؛ إذ إن أيّ تحفظ أو تردّد من شأنه أن يحطّ من مكانته ويضعف سلطته وهيبته. من هنا الطابع الكلياني للوثوقية وتوتاليتاريتها.

ذلك أن هناك ارتباطًا وثيق الصلة بين الكلي Total والكلياني Totalitaire، بين الرّغبة في الإحاطة بكل شيء، وبين التفرّد بالرأي والتوتاليتارية، وهو ارتباط يتجاوز المستوى اللفظي. ذلك أن التوتاليتاري يتسم بمنطق الحصر والنظرة الكلية، التي تدّعي أن لا شيء يفلت من إحاطتها. من هنا ابتعاده التامّ من كل تحفظ وتردّد، وحسمه المتسرع في كل ما من شأنه أن يفصح عن نقص وعجز، نظرًا لما يترتب عن ذلك، ليس من إظهار لضعف نظري فحسب، وإنما من تنقيص من صاحب الرأي ومسّ بهيبته وسلطته. فالنقص هنا أيضًا لا يتوقف عند المعرفة والنَّظر، إنما يطول الهيبة والسّلطة. إنه ليس مجرَّد جهل بأمور، إنما هو علامة على قصور وعجز وضعف؛ لذلك فإن ما يميّز الفكر الوثوقي هو قدرته الخارقة على الإفتاء في جميع النوازل مهما كانت طبيعتها ودرجة تعقيدها. فهو لا يرى في كل شكّ أو تردّد إلا علامة عجز، ولن ينظر إلى الخطأ إلا على أنه خطيئة.

ليس الفكر الوثوقي الدوغمائي الذي يسبح في البديهيات واليقين، عنيفًا بما يتولد عنه من مفعولات، وما يتمخض عنه من نتائج، إنما بما هو ينشدّ، أو يُشدّ إليه على الأصَّح، وما يعتقده طبيعيًّا بَدَهيًّا مُسَلَّمًا به. فكأن العنف هنا عنف بنيوي. وقد سبق لرولان بارت أن بيَّن أن البداهة عنف، و«أن العنف الحقّ هو أن تقول: طبيعي أن نعتقد هذا الاعتقاد، هذا أمر بدهي».

كان ديكارت، أبو الفلسفة الحديثة، قد حدَّد البداهة بربطها بمفهوم الوحدة والبساطة، مثلما ربط الشكّ بالتعدّد والتركيب. فالذهن لا يشك ويحار إلا إذا تعددت أمامه المسالك وتعقدت الدُّروب. الشكّ حيرة واختيار وحرية، أما البداهة فجبر وقهر واستعباد. إن كان أمامك مسلك واحد، فإنك لا تملك إلا أن تأخذه، أو لنقل بالأولى إن المسلك هو الذي يأخذك فتنقاد نحوه متوهمًا أنك تملك الحقيقة، ناسيًا أنك مملوك لها، خاضع لقهرها، معرَّض لعنفها.

على هذا النحو فإن الوثوقية عنف وقمع بما هي بداهات تسدّ أبواب الشك وتوصد سبل النقد فتسجن صاحبها داخل «كلّ موَحَّد» وتحول بينه وبين أن يتنفس هواء الحرية. لذا فهي ترتبط بالتشنج وأحادية الرأي وما يتولد عنها من قمع للآراء المخالفة، وعدم اعتراف بالرأي الآخر، برأي آخر، الأمر الذي قد يؤدي بها إلى عدم الاقتصار على العنف الرمزي، لكن هذا العنف لن يكون في جميع الأحوال إلا امتدادًا لعنف بنيوي.

لا يمكن للفكر أن يتحرّر من الوثوقية إلا عندما تنفتح أمامه الأبواب، وتتعدد السّبل، وتتعقد المسالك. آنئذ، إن كانت هناك بداهة، فهي لا يمكن أن تكون إلا عند نهاية مسار، وإن كان هناك وصول إلى حقيقة، فلا يمكن أن تكون إلا تعديلًا مفتوحًا لرأي، وتصحيحًا لأخطاء بحيث لا تُدرك، كما قال باشلار، «إلا في جوّ من النّدم الفكريّ». هنا وهنا فقط يتحدد الفكر كتراجع وانعكاس réflexion، ويغدو الفكر مرادفًا للنقد. وهنا يغدو التفكير فلسفيًّا بحق فيعيد للعقل ثقته بنفسه، ويفتح الباب لمشروعية السؤال، ويصبح مقاومة للبلاهة وكل أشكال اللافكر التي نتغذى عليها ونتشربها يوميًّا، والتي يعمل مجتمع الفرجة على تكريسها في أدمغتنا وترسيخها في تصرفاتنا ساعيًّا لأن يقنعنا بأنها فكر بل كل الفكر، كي يجعلنا نحيا طبق ما تجري عليه الأمور وعلى شاكلتها. وغني عن التذكير بأن هذا التغلغل في اليومي يتطلب عدم اقتصار فعل التفلسف على المنابر الأكاديمية، وزحزحته عن مواقعه المعهودة، وموضوعاته المستهلكة بهدف بلورة فكر- مضاد يحدث شروخًا في عالم ينحو نحو التنميط و«التبلّه».

عبد السلام بنعبد العالي


أعلى