نصيف الناصري - مِن اليَوْميِّات..

"1".
منذ طفولتي لم أخضع الى مُقدّس في العائلة. المُجْتَمع. الدين. الآلهة. الثقافة. العَمَل. السياسة. الدولة. عشتُ حياتي كُلّها حرّاً ولم أتورَّطُ في التقليد. الآنَ وأنا أقرأ ل "الطائفيين" الذين تخرَّجوا في الجامعات والذين يعيشون في اوروبا وامريكا واستراليا الخ. يشتمون هذا وذاك. شيعة. سُنَّة. أشعر بالأسف على الذين صاحبتهم سنوات طويلة وانتهوا الى النوم في النفاية السياسيَّة والطائفية.

"2".
تجربة جنسية.
أول تجربة جنسية لي مع فتاة في السويد، كانت بعد وصولي بشهور قليلة ربيع السَنَة 1998. حصل الأمر هكذا. لي صديق يعمل سائق تاكسي، في يوم عطلة بعد أن احتسيت آخر كأس ويسكي وأردت النوم. اتصل بي عبر الهاتف وطلب مني أن أنزل وأفتح باب العمارة. كان يقف معه في الباب رجل بشعر رأس أبيض ويرتدي قرطين، وفتاة شقراء خَمَّنْتُ عمرها 19 سنة ترتدي ميني جوب وتُزيّن سرتها حلية ذهب. طبعاً لا أعرف التكلم بالسويدية مع ضيفيّ صديقي. حييتهما باشارة مني وفهماها " هززت رأسي ولوحت بيدي". أخبرني صديقي بقوله "نصيف، أعرف انك تحتاج الجنس بشدّة. هذا الرجل لا يستطيع أن يضاجع صديقته إلاّ اذا ضاجعها رجل أمامه". طبعاً لم أصدق كلام صديقي أنا الواصل الى السويد حديثاً ولا أعرف أيّ شيء عن هذا المجتمع ولا غرائبه."هما الآن شاربين ويمكن محششين. حاول أن تضاجع الفتاة في غرفة النوم وهو ينظر اليك، وحين تنتهي اخرج الى الحمّام واتركهما وحدهما. لا تنس انه ربما سيدفع لك مبلغاً من المال". "لا أصدق" قلت له، وأمام حيرتي وغرابة الموضوع. طار السكر من رأسي. في النهاية بعد أن أفهمني صديقي أن هذه الأمور عادية هنا وتحصل عند الأشخاص الذين يعانون من البرود الجنسي أو لغرابة أطوارهم. وافقتُ وكأنني سأحصل على كنز. سحبت الفتاة التي لا تتكلَّم من شدّة السكر الى غرفة النوم وتبعنا الرجل صاحب الشعر الأبيض. تجرَّدتْ من ملابسها تماماً، أمَّا أنا فتَعرّيت أيضاً إلاّ من لباسي الداخلي مخافة أن يرى هذا الضيف الثقيل طيزي. مصصتها ولحستها وشممتها وشهقتُ ونهقتُ والرجل العجوز ينظر إليّ وأنا أطحر. حين انتهيت لم أشأ أن أنهض واترك عاشقها يضاجعها. بقيت نائماً عليها وهو يجرّني ويلهث وأنفاسه تتقطع. أردت المزيد لكنهما لم يوافقا. أخذهما صديقي في التاكسي الى بيتهما وبقيت أضرب جلق الى اليوم التالي.
كارثة بشرفي .

"3".
كان مِن المَفْروض أَن أُلبّي دعوة مِن مُنظَّمة مُجتمع مدني، تختصُّ بالشعر، قَبل 3 أَّيام، للاحتفال بعيد تأسيس اتحاد الكُتَّاب في السويد. تعذَّر عليّ الحضور وأَسفْتُ جدّاً. صديق شاعر مِن البوسنة، اتَّصل بي ليلة البارحة يسألني عَن سبب عَدم حضوري. دعوته الى الغَداء والشَراب هذا اليَوم في بَيتي.صَحوْتُ على صَوت موسيقى في المطبخ. طَبْعاً، أعلم أَن الشَفيعة تعدُّ طَعام الفطور.
-:" صباح الخير لالوش.
-:" صباح الخير ناسيف.اسْمَع ناسيف، أيشْ رأيك في أَن نذهب اليَوم الى غابة ونجمعُ الثمار؟
-:"لالوش، دعوتُ أَحد الأَصدقاء الشُعراء الى الغداء والشَراب، وسيأتي الساعة الواحدة ظهراً.
-:" جَميل، اطلب منهُ أَن يأَتي معنا الى الغابة، ومِن ثُمّ نتغدَّى ونشربُ في بيتك.
ذَهبْنا الى بيت الصديق بسيارتها وأَخذْناه الى الغابة.قَطَفَت الشفيعة الكثير مِن الفطر. 3 أكياس، ومِن الفلفل البرَّي الحار نصف كيس.صديقي الشاعر أَمضى الوقت يأكل التفَّاح. آني اكتَفَيْتُ بأَكل الزعرور، والخوف مِن الأيائل الشبيهة بالبعران، لَم يُزايلني.عُدْنا الى البيت، والشَفيعة طَبَخت لَنا وجْبة عظيمة مِن الفطر والفلفل البرَّي الحار، بَعد أَن أَضافت الكثير مِن المُطيِّبات. قَبل الشَراب طلبت منِّي أَن أَذهب معها الى بيتها. ترْكنُ سيارتها في "الكراج" وأُساعدها في حمل الأَغراض مِن السيَّارة، ومِن ثُمّ نعود الى بيتي.

"4".
سنة 1996 كنتُ أعيش في عمَّان. أذهب الى المقهى مبكراً. أشتري صحيفة "الدستور" وصحيفة "الرأي" وأقرأهما وانتظر مجيء الأصدقاء. اعتاد رجل أن يطلب مني واحدة من الصحيفتين. حين أغادر المقهى ، اترك له واحدة فيسرّ دائماً. في يوم ما نشرتُ في "الدستور" قصيدة. اشتريتها ولم أشتر "الرأي" . حين عرف صاحبي انني شاعر، سألني بعد أن قرأ القصيدة: "استاذ، هذا الشعر يطلع من
قلبك؟. أجبته: "لا، يطلع من طيزي".

"5".
لستُ مُتديّناً في حَياتي، ومفاهيمي حول الدين لم تتغيّر قط. يعني الدين بالنسبة لي انّه مؤسسة. ميثولوجيا وأستفيد من بعض جوانبه في الشعر. لماذا يسمح آلهة العالم والأديان أن تستمرّ هذه الحروب ويُقتل فيها الانسان؟

"6".
في سنوات بلوغي الأولى عانيتُ صدمات كثيرة بسبب الجوّ الصارم الذي نشأت عليه في محيط العائلة. العفة الزائفة والاحترام والخوف من ارتكاب المعصية والطاعة الشديدة لأوامر الزجر التي تتوالى عليّ. كانت رغباتي وأحلامي وكوابيسي الجنسية في صوب، وضميري الذي يصرخ في زيفه، بصوب آخر. أدمنتُ العادة السرّية، وظلت وظائف أعضاء جسدي المهمة معطلة تماماً. الآن وأنا أحاول استرجاع جحيم تلك السنوات البعيدة لمراهقتي . يحلو لي أن أغني هذه القصيدة لجورج سفيرس التي لا علاقة لها بمشكلتي هنا، لعلها تعينني على التخلّص من ما أدمنت عليه في تلك السنوات.
"أنامُ ويظل هو يقظان،
ملأه النوم أحلاماً عن فاكهة وأوراق شجر،
بينما حالت اليقظة بينه وبين التقاط حتَّى حبَّة توت.
افترسه الاثنان معاً. اليقظة والنوم،
ووزعا أطرافه على الباخوسيات.

"7".
يلزمني للتحكّم بسرعة القذف معكِ أن أحتاط،
مِن سعار رغبتكِ وأن أتفانى في مديحكِ دائماً.
كُلّ عاشق لَهُ شبحه ويمشي معه بلا حجاب.
التبعيَّة لكِ طوال الوقت، أنتفعُ فيها طوال مُدَّة
انتظاري لكِ في القبر، والتكافؤ في ما بيننا هو
الذي يحفظ لَنا شَبابنا. اتسَعَت المَحبَّة وانفتح لَيل
الزَمَن على الطبيعة، وأنتِ الوريث الوحيد لي.

"9".
الحُبّ صاعقة وسعيد مَن يتعرَّض الى ضربتها. للأخيار أن يتجنَّبوا اتيان الفعل العقيم، لأن لا طمأنينة في الوداد. أغلب الذين امتُحنوا في الوصال، عانوا الصعوبة في فهم المحبوبة التي يتملَّكها الفزع مِن الرعدة.

"10".
ناكرو المعروف "رجال الدِّين"، لَهُم وجهات نظر تتعارض مَع وجهات نظرنا. لا يسحرنا ندى الشمس في مواعظهم التافهة العنصرية، ونعلمُ أن الله في خواتيم حيواتهم، يعتقهم مِن محبَّته ولا يرضى أن يشربوا مِن الينبوع الوحيد في العالم. موت الذئب ليس بارادته، وأغلب الذين خاروا واستعدَّوا الى العيش بالأصفاد. شجبوا حلول الاخوَّة محلّ العداوة واختاروا الكيفية التي ميَّزتهم عَن الخليقة. تاريخ الحرب تظلَّع في تدوينه أهل الحقارة، رجال الدِّين.

"11".
تفصح العامَّة في عجزها عن اللحاق بأولئك الذين نشروا الأَوبئة، ونهبوا الثروات، عَن حاجتها لما هو أقلّ قيمة مِن نوم القليلولة الهانىء. غالبية الذين استغنوا عَن العطايا التي تمنح لهم مِن قبل الأسياد الحمقى رجال الدّين، زايلهم النكد ولم تعد تعوزهم التقنية في السباحة داخل أعماقهم. ارادة مضادة للايمان هي ما يحتاجها الضعفاء لكي يخسروا عبء افراطهم بالفشل.

"12".
سخرتُ مِن مصائر البَشَر ومِن ميولهم الى غَزْل
الصوف، لتدفئة الأنصال التي تضربهم بها حَياة
الضنك. كُلّ هالك يختار الوضعيَّة الغريبة في رمي
نفسه بالحُفرة قبل هلاكه، وليس لهُ الحيلة للخلاص
مِن الدود الذي يدأبُ على الافتراء عليه.
تجهلُ الآلهة ما يحلّ بِنا حين تقذفنا في
فوهة البركان، والانسان لا يفلح في سعيه
الى نيل ثمرة تعبه المزدانة بالغبار.
اشاعة الأمل في نفوس الذين نصادفهم
يحتطبون في الأحراش، فعل يخلو مِن
الشهامة. اهمال شأن التمائم وطرد
الساحر والمُنجّم، عامل قوَّة ويستحيل
فيه الرجوع مِن درب الدموع المؤتلقة.

"13".
مِن كتاب "الصريح المدفون" للدكتور جورج كدر.
"ونقل الصلاح الإربليّ في أمر الملك مسعود، انَّه كثُرت عنه الأقاويل، واشتهر أن عينه كانت ممتدَّة الى حَرم الرعية، فوكَّل نساء يطفنَ في "آمد" ويكشفن عن كلّ مليحة، فإِذا تحقَّق ذلك، سَيّر مَن يحضرها قهراً، ويخلو بها الأَيَّام ويردّها، وكان ظالماً، ولمَّا كلَّموه في تسليم بلاده وأن الملك الكامل يعطيه خبزاً جليلاً بمصر، قال:"بشرط أن لا يحجر عليّ، فإنّي ما أصبر عن المغاني والنساء. فلمَّا أدى الصلاح الرسالة الى الكامل، تضاحكوا وقال الصلاح:
ولمَّا أخذنا آمداً بسيوفنا
ولم يبق للمخذول صاحبها حسُّ
غَدا طالباً منِّا أماناً مؤكَّداً
وقال: مُناي ما تطيب به النفسُ
سَلامة أَيْري ثُمّ كسٌّ أَنيْكه
فقلنا: خَذ ما تَمنيت يا نحسُ".


نصيف الناصري
أعلى