علجية عيش - الانفصال الثقافي.. قراءة في أوراق "المثقف"

دون "المثقف" تخبو "اليوتوبيا" و تذوب

المثقف اليوم مدعو إلى أكثر من وظيفة و إلى أكثر من دور لأنه لم يعد في الوقت الحاضر لتعاطي الفكر و يعمل على نشره من خلال ما يكتب أو يؤلف بل أصبح من واجبه أن ينزل إلى واقع الناس لمحاورتهم و السعي إلى توعيتهم بما يعود عليهم بالمصلحة حتى يضيق الفجوة التي بدأت تتسع بين المثقف و الناس

"المثقف" الذي أتحدث عنه هو اسم لأسبوعية وطنية ( جزائرية) ظهرت ثم غابت لتعود إلى الوجود و بنفس الاسم لتختفي من جديد و تحرم قراءها من نشوة التثقيف، لم يبق منها إلا أرشيفها الذي ما زال يبحث عن المثقف ذلك المفكر الحر الذي يبحث عن حقيقة وجوده في الحياة، و يريد الغوص في أعماق الآخر..، كنا نقرأ المثقف و كان لنا الشرف لأن نكون من بين المساهمين فيها، كلما قلبت صفحة من صفحاتها كنت أقرأ في كلماتها و أرى في حروفها مشروع الكاتب العربي و الفيلسوف العربي و المفكر العربي و الأديب العربي و السياسي العربي و المربي العربي لما تنشره من أفكار و مواضيع قيمة ، كانت المثقف عنوان الكتابة و عنوان للتحرّر الفكري العربي و هي تعالج القضايا بلغة واقعية و بنظرة ثاقبة ناقدة و بناءة، بعيدا عن التجمل و المجاملة و مسح الرؤوس أو تقبيل الأيدي، في اسبوعية المثقف ، كان المثقف يبحث عن مجتمع لابد أن يكون أو يوجد، كما كان يبحث عن زمن لابد أن يأتي،
اليوم أصبح السؤال: أين المثقف؟ لا نعرف كيف اختفى ؟ و من كان وراء اختفائه ؟ لست أدري مثلما قال إيليا أبو ماضي و هو يسال كيف جاء و من أي طريق جاء و إلى أين يمضي؟..
الكتابة في أسبوعية المثقف اختلفت من قلم لآخر كل و اسلبوه الخاص و الفكرة التي يعالجها، بعضهم يرى في الكتابة فعل تعويضي، و آخرون كانت الكتابة بالنسبة لهم فعل نضالي حركي و كفاح من أجل البناء و التغيير، و أنت تقلب أرشيف المثقف تتأمل عناوينه و أعمدته و هي تجمع بين التيمات الثلاثة ( السياسة و الحب و الكتابة) تقف على واقع المجتمع العربي، كيف يعيش و كيف يجرفه تيار العولمة، و لكن..، أطراف ما أرادت للمثقف أن يعيش الانفصال الفكري و الثقافي ، بدليل حالة التذبذب بالرغم من أنها لم تتغير في أسلوبها عندما كانت تنشر و بنفس العنوان في سنة 2008، عندما كانت تحت إدارة مسيرها ( سبع. ع) تحت شعار " كنتم خير أمة أخرجت للناس"..
إطلالة أطلقتها على مقال رئيس تحريرها رابح محمودي و هو يتحدث عن غياب الوكالات الأدبية في " الفيسبوك " في عالم النشر طرح فيه إشكالية صناعة الكتاب و دور الفيسبوك في سوق الكتاب، و دور الوكالة الأدبية في تحويل الكاتب و الكتاب إلى مؤلف عالمي و نقص هذه الوسيلة في الوطن العربي بسبب الاحتكار الفكري الأدبي و عدم الترويج للكتاب أو الأدباء، و عالجت أسبوعية المثقف إشكالية التقدم و اللاوعي السياسي أو عالم المطمورات السياسية و هي وجهة نظر للتشريح السياسي سلط فيها كاتب المقال و هو محمد سبيلا الضوء على صورة السياسة في العلوم السياسية دعا فيها إلى مراجعة العنصر السياسي و إلى التحليل النفسي للثورة و التمرد و محاولة قتل "الأب" و التهام لحمه في وجبة طوطمية ثم اقتسام خيراته و سلطانه، و هو يبحث عن مثقف يجد لنفسه إطارا لخوض معركة الصراع على البقاء، هكذا كتب رابح محمودي يومًا عندما قال أن المثقف اليوم مدعو إلى أكثر من وظيفة و إلى أكثر من دور لأنه لم يعد في الوقت الحاضر لتعاطي الفكر و يعمل على نشره من خلال ما يكتب أو يؤلف بل أصبح من واجبه أن ينزل إلى واقع الناس لمحاورتهم و السعي إلى توعيتهم بما يعود عليهم بالمصلحة حتى يضيق ( أي المثقف) الفجوة التي بدأت تتسع بين المثقف و الناس..
هكذا أريد للمثقف أن تتوقف، لتعود كطائر "العنقاء" الذي يخرج من الرماد بنفس الاسم و لكن بثوب جديد كثوب العيد تحت إدارة توفيق بوحجار ( مدير جريدة السلام اليوم) ، لقد نزلت المثقف إلى الناس و حاولت الدخول إلى مركز أفكارهم لكي تعيش الواقع الجزائري و العربي عامة، تغلغلت وسط الصراعات الإيديولوجية و الإنشطارات الحزبية بين الأجيال فكتبت و علقت و وصفت و حلّلت و أجرت حوارات صحفية مع كبار المسؤولين في الدولة و زعماء الثورة و شخصت الداء الموجود، رسمت الصورة و نقلتها إلى الضمير العربي فكانت - شاهدا- حيًّا على أحداث تاريخية ، سياسية يجهلها الكثير حتى المثقفين منهم ، كان آخر ملف عالجته مواقف رجل يمثل الحزب الحاكم في الجزائر، ألا و هو حزب جبهة التحرير الوطني و قضايا أخرى و لكن..
أطراف كانت سببا في توقف المثقف، و هي في واقع الأمر لم توقف "المثقف" بل أوقفت مشروعا ثقافيا يكاد أن يأتي إلى الحياة كما يأتي الجنين و هو التغيير و بناء الإنسان الجديد ، أرادت لها أن تركن إلى السلبية بشكل أو بآخر و حدث ما حدث و توقف المثقف من جديد بعدما تداول على رئاسة تحريره مجموعة من الصحافيين من الصحفي حكيم صيادي،ثم صالح باي، إلى الكاتب الفلسطيني كفاح جرار، و توالت ألأدوار على رئاسة التحرير إلى أن بقيت أسبوعية المثقف بدون رئيس تحرير، و أصبح مديرها توفيق بوحجار وحده يقوم بأدوار متعددة، يجري الحوارات الصحفية و يكتب المقالات و الأعمدة، لتختفي عن الأنظار من جديد لسباب مجهولة حالت عن تحقيق أهدافها و تبليغ رسالة المثقف إلى القارئ..
ليس غريب أن تختفي المثقف طالما الصراع باق و قائما بين السياسي و المثقف، بين السلطة و المثقف و طالما العلاقة بينهما يشوبها الشك و عدم الثقة بل التناقض و العداء، و هي علاقة تؤدي لا محالة إلى تعطل التقدم و قتل الطموح في تحقيق الحرية الفكرية و الحرية الفردية و بناء المجتمع الحر، إن المشكلة لا تتعلق بأزمة المثقف الورقية بقدر ما هي مرتبطة بأزمة المثقف ذلك المفكر الحر، ف: " الإنتلجنسيا " اليوم متفرقة و مشتتة و تعيش منعزلة عن المساهمة في بناء الدولة السيدة لأن السلطة أرادت لها ذلك و حرصا على أن لا يكون لها رأي و موقف و حضور فيما يهم الشأن العام تحاول السلطة أو النظام أن يقتل الطاقة المكمونة في المثقف، و ليس غريب كذلك على السلطة أو النظام أن يمارس مع "المثقف " ثقافة القمع و العزل و القتل البارد و البطيء طالما هذه هي مواصفات السلطة تجاه الإنتلجنسيا ..، إن وجود مثقفين أحرار تعني ميلاد مجتمع جديد أي ولادة جديدة للعالم، و لهذا يحاول النظام و بكل الأساليب و الطرق إبعاد العلماء والمفكرين و المثقفين عن ساحاتهم لأنه لا يحب من يراقبه و يعكر عليه مناخه وهو (...).

علجية عيش
هذا المقال نشر في جريدة الفجر نيوز التونسية ( إلكترونية) في سنة 2010 فضلنا إعادة نشره لتعميم الفائدة لا غير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى