محمد مستجاب - أن..

أن تلمس أناملك النار، أو يخترق البرد عظامك، أو أن يتوقف ولد العين ذعراً في المحجر، أي: أن يضطرب القلب وترتعش الجوانح وينفطر الفؤاد ويتحلل الكبد، أو أن تذوب في السحيم بخاراً في الأفق. أو أن تتسامي هالة حول القمر أو ضباباً في الشفق أو نقطة ندى على حافة زهرة، أن تسقط وتصعد وتضطرب وتصمت، أن يتحرك العقل تاركاً الجمجمة الباردة ليخترق طبقات الخشب والجلد والشعر والصوف والحديد والدفء، أن تنسل الأحاسيس والعواطف من دورة الحب والرغبة والحقد والنوزاع، وتنطلق إلى خلايا الشجر وزقزقة العصفور ونباح الكلب وهسيس الكون، ألا تتوقف عند مواضعات الديون والحقوق والواجبات والتذكر الدائم والجدل وتحقق الفوز، أن تتلقي أول شعاع من الشمس وتودع أخر شعاع شاحب من القمر، أن تتسربل في غلالات لا تظهر منك شيئاً وتبرز منك كل شيء، أن تسبح في بحار لجية دونما شاطىء وتداور أحزاناً دونما سبب، أن تفتح النوافذ على هبوب العواصف وتتلاطم في الصخر والقواعد والكتل الجامدة. أن تتوه في المسافة بين الحاجب والرمش، أن تتطاير اشلاء بين الألوان وتتفتت ذري في صدى الصوت، أن تتجمع صهدا كالنار أو شجاعة كالأسد، أن تتمايل لذة بين القصائد ووجداً بين النثر المشرق، وتتناغم متدفقا في انسياب الموسيقى والزهور والثمر، وتتهاوى عذاباً في حنايا المقهورين وخيلاء في وجدان المنتصرين، ألا تكون فاراً أو سحلية أو ثعباناً أو صديقاً خائناً أو عدوّاً رديئاً، أن تكون الزوج والولد والأب والأمنية والدواء والجد والسكن والسيف والحكمة والحمق الصغير. ألا تنجذب للحفر والأحجار، وألا تقع في الكوارث الضحلة.
أن تفهم كما لا يفهم احد، وأن تدرك كما يدرك أي احد، فأنت أديب..
وعليك أن تبدأ الآن في الكتابة.. لتقع في المأزق الوردي الغامض الشرس الذي لن تخرج منه ابدأ.
أعلى