فنون بصرية محمد خضير - رؤية لأطلال الزمن..

تطالعنا صفحات الفيس بوك بين حين وآخر بصور الماضي، ولمحات متفرقة لبقاع الزمن المهجور. إن العين لتنجرح بضوء آفل يكاد يهرق شحوبه الرمادي، وقد عانى الاحتباس في افلام التصوير الشمسي، وانفلت من ذاكرة ضباط الحملات الاستعمارية والرحالة المغامرين الذين أتوا العراق طمعاً إلا من صورة فوتوغرافية يظهرونها في السر بأحماض لا تقل تأثيراً عن تأثير البارود وحروف الطباعة واختراعات السينما. وعلى العموم، فإن صور الزمن الفاتكة تلك، أصبحت وثيقة بيد الجيل الجديد، يتعرف بوساطتها على أنماط التحديث والتكييف والإغواء، المصاحبة لأهم القطائع السياسية الحاسمة في تاريخ العراق الحديث.
اختفى الثالوث الشهير (الفقر، الجهل، المرض) وراء الوسائل "الناعمة" التي دخلت الاستعمال اليومي في بيوت البرجوازية المدنية الناشئة، وشاعت "نعمة" الحياة التي قدمتها البعثات الاستعمارية لفصائل مختارة من المجتمع، لقاء خدماتها التجارية والمصرفية والاستخبارية؛ بينما انتشرت استوديوهات التصوير لتغطي الآثار الأليمة لثالوث المجتمع المسحوق من الفلاحين والكسبة وعمال الموانئ وسكك الحديد وصغار موظفي الخدمة المدنية الناشئة. أما اليوم، فإن استعادة مخزون استوديو الماضي تجري بحمى نوستالوجية تعوض ذلك الانسحاق، وتفرش سجادة رمادية من خان تاجر ورث هذا الأستوديو، بعد انسحاب الجيوش وسقوط الصروح وخمود البراكين الشعبوية.
وليس من عجب في ان تقوم الميديا التصويرية المعاصرة دور هذا التاجر الكريم بالدرجة الأولى. أما الروايات والتقارير الصحفية فقد تأتي بالدرجة الثانية في استعادة اللهجات والأوضاع والحبكات التي تصاحب هذا العرض الزمني المتأخر، بأساليب مشوقة.
تعمل الصور "الميديوية" المبتعثة من أطلال الزمن على بناء ضريح رمزي شاهق بإشاراته ومرجعياته الاجتماعية والسياسية. وأشهر هذه الاضرحة مؤسَّس على الوثائق والأطاريح عن الإمارة الكعبية في الأحواز، جنوب غرب البصرة، التي حكمها الشيخان الأخوان مزعل وخزعل ابنا جابر آل مرداو، في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وشكلت ركناً مهماً في مشروع ما سُمي بالمثلث الخليجي.
لقد غربت الشمس عن أطلال الإمارة، إلا أن سلطة الزمن تتصدى لفتح خزائن بيوتها ببذخ وكرم عُرفت بهما تلك المشيخة. كما ان تجار الزمن ما فتئوا يفتحون بابا على حياة الحريم الصريحة وأزيائها العصرية. وأشير هنا بصورة خاصة الى الصور التي نشرتها السيدة "إيمان البستاني" _ من عائلة البستاني الموصلية _ عن تلك المشيخة وسلطتها الغاربة. فهي أيضاً واحدة من تاجرات الميديا الكريمات، وشاهدة حية على خزائن الزمن الصورية.




محمد خضير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى