د. محمد الدفراوي - خناق الذباب..

مساء الخير يا أبي .
مساء النور يا ولدي .
يوم يمضي و أخر سوف يأتي ، قبل أن نفهم دولاب الحياة ! أتعرف ماذا تعلمت اليوم في المدرسة ؟
عن النباتات اللاحمة ، أي أكلة اللحم !
لا تتعجب ، قبل أن أحدثك !
شرحوا لنا في حصة الأحياء الطبيعية شيئا عن أسماء نباتات تصيد الحشرات كالتنين الأحمر ، ونبات الجرة ، حامول الماء ، و أعجبهم ، خناق الذباب !
أتدري ، الحياة ليس قبرا ، لمن يصغي لها ؟!
تبدو كمن وجد محفظة نقود !
هذا صحيح جدا يا أبي !
فقد حكوا أن الافتراس ليس مقتصرا على الحيوان ، فالنبات الوديع يفعل الشيء نفسه ، يصطاد و يلتهم !
يتحول الي ذلك حين لا تقدم لها التربة المقفرة ما يحتاج إليه من غذاء ،فيتحول الي كائن مفترس ، تصطاد بفتل أوراقه و تصير أزهاره معدة لهضم الفرائس ، تغطي نفسها بعشرات من السيقان اللزجة ، الدقيقة ، تشبه الأفعى برأس منتفخ ، و لسان متشعب ، طويل فإذا التصقت الحشرة لا تفلت !
مما زادني عجبا _ يا أبي _ نبات خناق الذباب ، فهو اشدها نهما و شراهة ؛ فيلتهم كل ما لا يعني شيئا يذكر كالذباب و الضفادع و الجرذان ، حتى العصافير المريضة بطيئة الحركة تتخلص منها الحياة كوجبة ، حجمه لا يتعدى حجم الكف ، لكنه مرعب حقا !
أشياء لا تصدق !
لايخدعنك السن و لا الشكل !!
لدي الحياة مخزون مرعب من حيل النجاة من العدم و السكون .. أتدري يا ابي تشبهني الحياة ، فلا تحب السكون ، و تخيب صوت الموت أحيانا ، فإذا منعتنا شيئا بيدها اليمني ، وهبت لنا أشياء بيدها اليسرى !
يا بني قانون التعويض أو قانون التكيف ، لا ادري أيهما أليق هنا ، لكنها فكرة الإصغاء لصوت الجسد ، عند من لا يملكون حيلة و لا صوت !
سررت باهتمامك ، بت تقول الحقيقة ، أهم شيء في الحياة ، أقول ذلك دائما..



د. محمد الدفراوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى