نسرين البخشونجي - علي جنب يا أسطي

عائدة من العمل.انهارت قواي بسبب الحر والشمس, شعرت فجأة برغبة في النزول من المكيروباص. أجلس في منتصف السيارة تماما. كان علي أن أتخذ القرار, أما أن أنزل فتلفحني نسمة هواء حارة بدرجة 45 مئوية وأكمل المشوار إلي البيت سيرا أو أظل محشورة بين جسدين متعرقين.في البدء ترددت فالاختيار صعب, أيهم أختار؟
لا أعرف سببا لهذا الزحام.
***
الجو في الصباح كان لطيفا, ثمة نسمة رطبة مرت غمرتني بالحنين إلي الشتاء، السماء كانت غائمة بعض الشيء وثمة ضباب أبيض خفيف في الجو. أنا لا أعرف لماذا يكرهون الغيوم، يقولون أنها كئيبة.. انتظار المطر قمة الإثارة بالنسبة لي رغم كرهي له، الانتظار، والضباب يضيف لكل ما أراه لمسة رومانسية تشبه الأحلام.
أشتاق للسعة البرد علي أرنبة أنفي.
اليوم صباحا كنت ابحث عن سيارة لأذهب للعمل، تمنيت أن تمر تلك التي يركبها حسام.
حسام شاب لم يتخط الثلاثين، يخرج رأسه الأشقر من شباك الميكروباص وينادي تحرير..رمسيس..تحرييييير. حين ركبت معه في المرة السابقة لاحظت ان عددا من الركاب يعرفون السائق وحسام جيدا، حتي أن السائق يقف تلقائيا حين يصل لمكان نزولهم. في المرة السابقة، كان يجلس أمامي رجل من أصحاب البدل البيضاء ذات النجوم الذهبية، لكن حسام وباقي الركاب لم يسكتوا عن الحديث في السياسة. لحسام طريقة ساخرة جعلتنا جميعا نضحك حتي ذلك الرجل. حين نزل، الرجل ذو البذلة البيضاء، قال أحد الركاب أتدرون لماذا هو حزين، سيخرج قريبا من الخدمة وابنته في الجامعة يدفع لها مصاريف بالآلاف.
سكتنا جميعا، حتي ركبت سيدة أربعينية بدينة رأيتها من شباك السيارة ترفع شعرها الأسود الخفيف إلي أعلي قبل أن تنضم لنا بلحظات. نظرت لحسام بلوم وعلي وجهها ابتسامة خفيفة كشفت ادعاء نظرتها. سألته لماذا لم يرد عليها اليوم حين اتصلت لتؤكد الموعد. باغتها قائلا:
» لما أرجع البيت هشوف شغلي مع اختي الصغيرة، لأنها حولت تليفوني المحمول وخلته صامت.. العربية كلها اتصلت انهارده لجل حظي وأنا كنت مستكنيص في التكييف فراحت علي نومة.»‬
رد عليه السائق مازحا
»‬تكييف ايه يا ابو تكييف؟ مفيش أحلي من الهوا الرباني»
من جديد ضحك الجميع، وبقيت أفكر هل نام حسام حقا في غرفة مكيفة الهواء أم انه يمازحنا كالعادة؟ لست متأكدة إن كان الصيف حارا أكثر مما ينبغي هذا العام، أم اني صرت لا أحتمله بسبب ضغط دمي المنخفض.
انتبهت اليوم فجأة لصوت حسام ينادي تحريرررر.. رمسيسسسسس
شاورت له، في الطريق قال حسام لأحدهم أنه سيبدأ مشروع مقهي
»‬ هعمل كافيه للغني والفقير، لقيت محل لقطة وجاهز»
»‬ كان حقك تبدأ مشروعك الخاص من زمان يا حسام، بدل المرمطة مع ناس معندهاش أصل»
»‬ أنا مسامح يا خال، مسامح»
قالها ولمحة حزن مرت علي ملامحه، نظر من الشباك للحظة ثم قال:
»‬ أنا مسافر انهارده حد عايز حاجة؟»
ردت سيدة مسنة
»‬مسافر إسكندرية يا حسام؟»
»‬ لا اليابان يا حاجة»
ضحك الجميع من جديد
وصلت إلي ميدان التحرير,أثناء نزولي علي عجل سألته إن كان سيمر غدا صباحا, قال:
»‬استنينا الساعة 8 يا أنسة»
***
»‬علي جنب يا أسطي»
قلت للسائق..
نزلت, فلفحني الهواء الساخن.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى