بكر السباتين – موظف عند عزرائيل.. قصة قصيرة

تقدم شاب ثلاثيني ملتحٍي من سائق الحافلة وسأله بلطف شديد لو يستبدل فيروزيات الصباح بمحتوى الشريط الذي معه.. انتبه الركاب للأمر متذمرين، بعدما استجاب السائق إليه على مضض..وقد تلاقت عيونهم خلال المرآة الأمامية.. أخرج السائق القرص المدمج من المكان المخصص له ثم ألقمه بالذي يخص الشاب.. إلى هنا والوضع طبيعي وخاصة أن المقدمة كانت توحي بموعظة دينية هجعت لها بعض الأنفس في الحافلة وهي تهبط الطريق الملتوي إلى عمق الوادي، ومررتها الأخرى دون احتجاج ومال البعض إلى التغافي كأنها رحلة لا تنتهي إلى المجهول. ولكن ما أن بدأ الشيخ مسترسلاً في وعظه المعزز بالشواهد عن عذاب القبر.. يتلوا قصة تلو الأخرى.. تململ الركاب مستعيذين بالله من الموت!! لكنه ما أن راح يجهش بالبكاء والعويل وكانه فقد عزيزاً عليه.. انتفض كل من في الحافلة.. وتعالت الأصوات.. فهذا يقول:
” يا فتاح يا عليم..هل هذا وقته!”.
وآخر:
” أعد على مسامعنا الفيروزيات! هذا الشاب أقحم علينا مادة لا يشتهيها الناس وقت الصباح!”.
وردد آخر:
” والله توقعت مٍنْ هذا الشيخ ذلك!!”.
إلى أن صاح السائق في الجميع:
” طنيب على ولاياكم تسكتوا”.
فابتسم الشاب الملتحي بأدب جم قائلاً:
” أثلجت صدري يا طيب”.
إلا أن السائق سحب الشريط المدمج الذي يخص الشاب وطوح به عبر النافذة صارخا:
” حل عنا خنقتني.. اجلس مكانك”.
جلس الشاب وراح يستغفر الله ويلعن الشيطان طوال الرحلة والسائق يهز رأسه كاتماً غضبه.. وخاصة أن الرحلة إلى إربد في بدايتها.. فما أن انتهت حتى تراضى الشيخ مع الركاب وغادروا الباص متسامحين.. إلا السائق الذي بقي على حاله متمتماً:
” الموت يا شيخ!! هي ناقصة”!
وفجأة انزلقت الحافلة باتجاه عمود الهاتف الخشبي.. لكن السائق تفادى الحادث ببراعة.. فغمر هدير محرك الحافلة الأجواء التي انتشر فيها دخان العادم الأسود.. فهب بعض الركاب بدافع الشهامة إلى الباص الذي ركنه السائق جانباً؛ كي يطمئنوا عليه. فحمد الله. ولكن الشاب عاد يذكر السائق بالموت منبها:
” ألم اقل لك بأن الموت يباغتنا في كل حين ما يستوجب الاستغفار لا التلهي بأغاني الساقطات”.
فاستشاط السائق غاضباُ والحروف تمر في حلقه كالجمر فتخرج من فمه وعيونه كالبركان:
“عكرت مزاجي خيبك الله”
ثم حمل السائق المفتاح وتأهب لإلقائه على الشاب:
“أغرب عن وجهي يا خفاش.. اصبحنا واصبح الملك لله.. شو حضرتك موظف عند عزرائيل”!!
أعلى