محمدن بن عبدالله - وصف الخمر فى الشعر العربي (تابع)

كنا فى حلقتنا السالفة مع حسان بن ثابت الانصاري رضي الله عنه في وصفه للخمر , كما قمنا بتعليق شبه لغوي علي المقطع الذي أوردناه من لاميته كما كنا وعدنا المتصفح الكريم بفك بعض مفرداتها اللغوية والتعريف بمن ورد أسمه في الابيات او المقاطع التي وردت في وصف الخمر , وها نحن نبدأ من حيث وقفنا مع الشاعر المخضرم كنا فى حلقتنا السالفة مع حسان بن ثابت الانصاري رضي الله عنه في وصفه للخمر , كما قمنا بتعليق شبه لغوي علي المقطع الذي أوردناه من لاميته كما كنا وعدنا المتصفح الكريم بفك بعض مفرداتها اللغوية والتعريف بمن ورد أسمه في الابيات او المقاطع التي وردت في وصف الخمر , وها نحن نبدأ من حيث وقفنا مع الشاعر المخضرم الصحابي حسان بن ثابت رضي الله عنه حيث يقول في الخمر :
لما صحا وتراخي العيش قلت له *** إن الحياة وإن الـموت مـــثلان
فاشرب من الخمر ما آتاك مشربه*** واعلم بأن كل عيش صالح فان
ولكل متصفح أن يسأل متي قيلت القصيدة ؟ وهي في وصف الخمر والحكمة؟ فنقول له أنها قيلت قبل الاسلام بزمن غير قصير. كما هو مسطور في كثير من المراجع
ويقول حسان أيضا في لاميته السابقة في آلة الشراب
بزجاجة رقصتها في قعرها *** رقص القلو ص براكب مستعجل
فقد وصف تحرك الخمر في الزجاجة وكثرة تفاعلها بقلوص – وهي الناقة الركوب- عليها راكب يفعل كل ما بوسعه لتسرع لعجلته بالوصول إلي هدفه أو الخلاص من خطر يداهمه أو يخاف أن يدركه فهو يصوت ويحرك رجليه ويهددها بالضر ب بالسوط.
ومن الجانب اللغوي .فإن قوله بزجاجة والزجاج معرو ف، وهو هنا كناية أو اسم يطلق علي آلة تشرب فيها الخمر كما هو وارد في كثير من الاشعار والاخبار المتعلقة بالأد ب العربي وموضو ع الوصف فيه
وقد وصف ثغامة الخمر وشبهها بناقة يستجدها راكبها بكل وسائله ليصل الي مبتغاه أو لينجو من ما يخشاه أومما ير يد أن يغشاه .
إن التي ناولتني فرددتها***قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
قتلت بالاسناد للمؤنث الغائب هنا عبارة عن مزج الخمر بالماء أو سائل ينقص من مفعولها في العقل والجسم , فهاتها لم تقتل أي صافية غير ممزوجة لم تخالطها مادة أخري تنقص من مفعولها قوله العلل الشراب مرة بعد وهو يريد العلل وان لم ينهل وهوياتي عادة بعد النهل.
ونواصل وصف الخمر مع شعراء الصدر الأول من الدولة الإسلامية، ونبدأ مع الحطيئة وقد تقدم تعريفه ، واسمه جرول بن أوس بن مالك العبسي و كنيته ابو مليكة وهو شاعر مخضرم وكان معروفا بالهجاء ولم يسلم من لسانه أحد وخبر سجنه في خلا فة أمير المومنين عمر بن الخطاب رضي بعد أ ن شكاه اليه الزبرقان بن بدر التميمي وقد هجاه بقصيدة يقول منها فيه :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فأنك أنت الطا عم الكا سي
وقد أشكاه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وقد سجنه كما تقدم في بير الجابية .
وقد أ وردنا قصة شراء عمر رضي الله عنه لأعراض المسلمين منه بثمن معلوم .
وهو من المستهترين علي الخمر وله أشعار في ذلك كثير ة
وفيها يقول :
طربت الي من لا يواتــيك ذكره *** ومن هو ناء والصبابة قـــــد تضر
الي طفلة الا طراف زين جيدها *** مع الحلي والطيب المجسد والخمر
واغلب الظن أنه عني الخمر بضم فائه وعينه وهو جمع مفرده خمار وقد يكون حرك فاء الخمر للضرورة ففتحها فتكون هي المراد والله أ علم .
وهذا الاخطل واسمه غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمر و ابو مالك التغلبي وقد عد من الطبقة الالي من شعراء العصر الاسلامي كلهم بالرغم من تباين الارآءحوله بين راوية وآخر وناقد واخر ومؤرخ وحافظ قد يختلف الجميع في ذلك فقد اتفقوا علي أنه من مقدمي شعراء العصر الاسلامي علي الاجمال انتهي تعريفه ويقول في الخمر من قصيدة له :
بان الشباب وربما علـــــــلته *** بالغانيات وبالشراب الأ صهب
ولقد شربت الخمر في حاناتها ***ولعبت بالغانيـــات كل الملعب
وما قاله في البيتين الماضيين ملخصه أنه كان يشرب الخمر في حاناتها في شبابه ولما ذهب شبابه استمر يعلل نفسه بما كان يفعله ابان شبابه وهو شرب الخمر ومغازلة النساء نستعيذ بالله )من ضلال الشيب(وهي عبارة ساذجة بعض الشيء ,لأن الشيب لا ضلا ل فيه الا لمن ورد فيه الحديث(…من بلغ الاربعين ولم يغلب خيره شره , قبل الشيطان بين نواصيه وقال مرحبا بمن لا يفلح أبدا…)أو كما قال صلي الله عليه وسلم .
وقد يعبر عن الشيب بالوقار وقد أثر عن السلف أنه قيل لأحدهم شاب رأسك فقال رب زدني وقارا وقد قيل أنه نوح وابراهيم علي نبينا وعليهما الصلاة والسلام .
وهذا الشاعر المخضرم منظور بن زبان بن سيار الفزاري وله صحبة كان سيد قومه وقد ذكربعض الرواة أنه تزوج أمرأة ابيه مليكة بنت خارجة المزنية بعد وفاة أبيه وكانت عادة في الجاهلية أ ن أكبر الابناء مقدم في تزوجها علي غيره بعد وفاة الاب وذكرفي كتب السير أن أبابكر الصديق رضي الله عنه قدّ فرق بين منظور بن زبان وزوجة أبيه مليكة بنت خارجة المزنية وقد كثر ذكرها في شعره ومنه يقول في حبه الخمر ومليكة :
ألا لاأبالي اليوم ماصنع الـدهر***اذا منعت مني مليكــــــــة والخمر
فان تك قدأمست بعيدا مزارها*** فحي ابنة المري ما طــــلع الفجر
لعمري ماكانت مليـــكة سوأة*** ولا ضم في بيت عليس مثلها ستر
وما منهما الا شـــــــديد فراقه*** فراق الندامي والمخــــــدر ة البكر
وسنكتفي بهذا من شعر زبان في الخمر ومليكة
و إذا كنا فى ما مضى قد أوردنا وصف الخمرعند بعض الشعراء من جانبها السلبي المحض , ورغم أننا لا زلنا في وصف الخمرعند الشعراء ولكن هذه المرة من جانبها الايجابي وتحريمها وذمها مروءة وعرفا وشرعا فوق ذلك.
ونبدأ الموضوع الجديد وهو “ذم الخمر” مع فيلسو ف الشعراء وشاعر الفلاسفة أبي العلاء المعري ونبدأ بتعريفه وهو أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي ولد بمعرة النعمان في الشام بالقرب من دمشق ولم ينبغ أحد من أقرانه مثل نبوغه في علوم اللغة والحديث والقرآن ، وقد كان يري رأي الظاهرية بحيث لا يقبل تأويل المتشابه من الكتاب ولا من السنة . وهو منحدر من أسرة ذات علم ومعرفة وجاه، وقد تولوا منا صب عالية في القضاء والتدريس ، ومنهم شعراء مطبوعون ومعروف شعرهم ومنهم فوق ذلك وما دونه وهو من شعراء الدولة العباسية ولم يتكسب بالشعر ولم يجعله وسيلة للجاه الخ….
وفي الخمر يقول
إياك والــــــخمر فهـــــــــي خالبة *** غالبة خاب ذلك الغـــلب
خابــــــــية الراح ناقــــــــة حفلت*** ليس لها غير باطـــل سلب
أشأم من ناقة البسوس علي الناس*** وإن ينل عندها الطــــــلب
ونذكر أنه كان معاصرا لأحمد بن حنبل الامام رضي الله عنه وقد زار بغداد ومكث فيها ستة اشهر ولقي فيها الخليفة العباسي المرتضي بالله العباس ثم رجع الي مسقط رأسه وقد سمى نفسه رهين المحبسين وهو حبسه لفقدان بصره بسبب الجدري أعاذنا الله وقد حبس نفسه في منزله , وذكر عنه أنه كان لشدة ذكائه يحفظ كلما سمعه ولو مرعلي أذنه من دون أي تركيز منه علي المضمون والمصدر أو المقصود من التسميع.
وقد جاء في تاريخ بغداد أنه أخذ الفلسفة عن راهب بدير، قرب اللاذقية وأنه يري رأي البراهمة بحيث لا يري افساد الصورة ولا يأكل لحما وحتي أنهم ذكروا،أنه لا يؤمن بالرسل ولابالبعث….ومن الصحيح أنه كان في شك من أشياء تخصه هو وسلوكه الروحي وقد ورد في أكثر من مصدر عكس ماكتب عنه في تاريخ بغداد وغيرها ومن شعره :
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة *** وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطمنا الايام حتي كــــــــــــأننا*** زجاج ولكن لا يعــــــاد لنا سبك
وهذا واضح جلي في أنه كان حيرة وشك ومصطلحات يشترك فيها “القوم” أهل التصوف وأهل الفلسفة ومن له تفكير ينمو علي قدر مقسومه من التوفيق والاجتباء والكسب علي القول بأن المقامات الباطنية كسبية وقد صح غيره.
وهناك ما يسمونه بالجهاد والمجاهدة كذلك ما يسمونه بالاربعينات والخلوات وهذه مصطلحات لهاعند كل مجموعة من القوم الصوفية والفلاسفة مفهومها الخاص والطريقة الخاصة بسلوكها أو التفكير بها للو صو ل الي الحقيقة
ويصف أبو العلاء المعري بوصف مغاير لوصف الشعراء لها فيقول :
وأما الخمر فهي تزيل عقلا*** فتحت به مغالق مبــهما ت
ولو ناجتك أقداح النـــدامى*** عدت عن حملها متنــديات
الي أن يقول :
وزينت القبيـــــح فباشرته *** نفو س كن عنه مخز مات
وفى الحلقة القادمة سننتهز فرصة إشارة المعري إلى “البسوس” لنعطي لمحة عن ما أثاره قتل كليب للبسوس.
الأستاذ: محمدن بن عبدالله
اللغة :
صحا يصحو فاق من سكره واستيقظ من نومه .
قوله :تراضي العيش وفي نسخة تراخي والمعني واحد وهوعيشة الرغد اوالعيش الرغد أو عيشة راضية .
آتاك :مشتقة واتاه أي وافقه أو صلح شأنه أو صلح له شأنه كما هو واضح وأعلم بصيغة الامر بعدها,.بأن المجزومة والمخففة من أنّ بالفتح المشددة و للضرورة في الشعر تخفف وقد عملت عملها فيما بعدها – كل عيش صالح فان وكذلك العيش غير الصالح ـأعاذنا الله منه
بان انفصل او غاب أو سافر الخ…معانيها.والشباب يطلق علي السن مادون الاربعين سنة قد تزيد قليلا وبعده وهو سن الرشد وهو الاشد عند بلوغه يتم عقل المرء الخ….
الغانيات :النساء مطلقا وفي بعض الصحاح أنها تطلق علي من غنين او استغنين بجمالهن عن الزينة وقدورد تفسير آخر عن بعض السلف الصالح _انها تطلق علي من استغنين بأزواجهن عن غيرهم – وهذا لايكون الا في الجنة – وهنالك العفاف والتدين والستر والحفظ والله أعلم
والصهباء صفة للخمر من ناحية لونها وهي تميل الي الصفرة و أصبح من أسماء الخمر
وصافية تابع لصهباء وهو من الصفاء وهو شدة الوضوح حسا ومعني .
قوله كحب الفلفل وهو نبات معروف من مطيبات الاطعمة أو من لوازمها لونا وطعما وريحا
لاأ بالى لا أهتم اليوم معناه الوقت لا اليوم المحدد أي الزمن كله
والدهر عبارة مستعملة للمقدور وفي الحديث) لا تسبوا الدهر فان الدهر هو الله (أو كما
قال صلي الله عليه وسلم , والمزار محل الزيارة وأمست لايقصد الوقت المعروف بل هو للصيرورة أي كل مساء وصباح الخ….
قوله لعمري الخ فيه بعض الالتفات الي الغزل ومدح المغزل عليه بصفات العفاف والفضائل حتي أنه أقسم بقوله لعمري وهي يمين عند الجاهلية كما هو معلوم , والشطر الثاني يفسر معني الشطر الاول.
والمخبئة هنا مليكة وفي مواضع أخري من أسماء الخمر و….البكر التي لم تتزوج قط كما جاء في بعض المراجع اللغوية وقد جعل مقابلها الثيب وفي بعض المصادر ما ذكرنا وكما ورد بعض معاجم اللغة.أن البكر التي لم يطمثها انس ولاجان وهي ما دو ن الخمسين.
ومقابلها العوان والثيب .وقد ذكر بعض المراجع انها لاتطلق الا علي من هن دون الاربعين يعشن العزوبة وأما من سنها فوق الاربعين ولم تتزوج فهي عانس وما فوق سن الخمسين يسمونها في كتب فقه اللغة بالقاع بحذ ف تاء التانيث -كالحائض الخ…..
وقو له السوأة الامر المستقبح شرعا او عرفا او عقلا والله اعلم .
الفتح للمغلق والمبهم ايضاحه أو شرحه وتوضيحه علي الاصح .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى