د. جورج سلوم - صلاة استقواء

لستَ جديداً عليّ أيها النّهار ..كأني شاهدتُ ضوءَكَ الشاحب وبردك القارس من قبل.
لا بل وكأني رأيتُ جمودَ أناسك وتثاقل حركتهم وإطراق رؤوسهم من قبل.
كأنهم يُعيدون مشهدا تمثيلياً حفظناه
وجوهُهُم ترابيّة اللون ولم تكتسب لونها من انعكاس ترابهم الحزين على جباههم المعفّرة ، وما امتقع لونهم الترابيّ من آدميّتهم وجبلتهم من أديم الأرض ..
لكنّه الجنحُ المَهيضْ والأمل الذي يوحي بالنّقيض ..
والأفق المكسوّ بالغموض والمستقبل البغيض ..
ضبابياً حتى من وميض .

كأنهم عائدون من معركة خاسرة ..يجرّون أذيال الخيبة
راجعون منكسري القلب والوجدان ..
بلا رايات مرفوعة ولا حتى بيضاء ..والراية البيضاء على خذلانها قد تحقن الدماء وتسمح لك بالاحتفال بنصرٍ ما مزيّف على عدوٍّ تخترعه ..أو حتى تنبشه من قيعان نفسك فتحتفل بانتصارٍ ما ..فتحفظ ماء الوجه ..وإن كان جفّ منك النّسغ والضّرع وقلّ منك النّفع فغدوت هامشيّاً كأنفاسٍ طفيليّة تسترق الأوكسجين
كأنّهم يسيرون في جنازاتٍ غير مُعلنة ..والمتوفّون ضمائر مستترة جوازاً تقديرها هم أنفسُهم ..
أعلِنوا الحداد يا قوم قبل أن تعلنوا الجهاد
والويل والثبور قبل عظائم الأمور
وولّوا الأدبار قبل الإقدام
لأنّ نتائجَكم معروفة وجولاتكم خاسرة بالنّقاط وبالضّربة القاضية ، فلا تصولوا إلا في فراش الحلم تشهرون فيه سيوف الماضي المجيد وهارون الرشيد وابن الوليد

عجباً من كلّ هذا القنوط ..والشمس ستشرق ولو طال المطال
والصباح قد يحمل تباشير الانبلاج والانفراج..فلمَ الانسداج؟
احتقني أيتها الأوداج
واحمرّي يا عيون ..والغصّة قد خنقت الحلقوم
حتى السعال غدا مكبوتاً في زمن الصّمت ..والعطاس يستحي من أنوفكم الدّبقة المحشوّة بالمخاط
ارتفعي يا حرارة بدني فقد آتاني الوباء وحلّ البلاء ..والمرض الفتّاك غير مبالٍ بالجغرافيا سيخترق الحدودْ
كأننا في زمن نوح وقومِ عادٍ وقوم ثمودْ ..
وقد تنفرغ منا البلاد

أننتظرُ مُرسَلاً أو نبيّاً من جديد ؟
أم أنّ الأمرَ غربلةٌ وتصفيةٌ للضّعيف في زمن القوة ؟
أم جوراً في زمن الحيف ؟
أم مخاضاً في الأرض الحُبلى ؟
ويلكم لو كان المخاض عسيراً وطويلاً

حتى الصّلاة غدتْ ممنوعةً في المحراب ..
فاستفيقوا يا أولي الألباب
توحّدوا بالدّعاء كصلوات الاستسقاء
نريدها صلاة استحماء واستقواء ..
استقواءً بالله... وليس بالغريب على القريب
فبالله عليكم ..أما من مُجيب !
****************

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى