سعد نجاع - الحسناوات

تذكرت ذلك الولد الذي حملته معي مرّة كأرنب وديع لنمتطي الشاحنة معاً في توصيلة بين بريزينة وزاوية سيد الحاج الدّين بولاية البيّض،حين وجدته حافيا على قارعة الطريق ،بين صقيع الأرض الصلبة صلابة أهلها ورمال متليلي الزاحفة نحو الغرب، كنت حينها أتساءل في قرارة نفسي : هل يعلم هذا الطفل بشواطئ سيدي فرج المملوءة بالعُري وإقامات نادي الصنوبر التي تزخر بأحدث التقنيات ، والقاعات المتلألئة ببريق الشقراوات؟ وهل يعلم بأن له حصة أكثر بكثير من حصص أولئك الذين ينعمون ببذخ البلد، وأن من حقّه أن يعيش كهؤلاء؟ وأنه من دفع الكثير ليعيش هؤلاء… ؟
كان هذا الطفل نموذجا كافيا لجزائر الأحرار الذين يتعذبون في صمت من قهر الأسياد الذين يُستقبلون بأجمل ألوان الورود ورشاقة الحسناوات بصدورهن الواثبة على بساط أحمر لا يمثل إلا أرستقراطيتهم ؛ولولا أولئك الذين يدفعون وبصدور عارية المخاطر التي تحدق بالوطن وأمنه لقلت أن هناك تشابه كبير بينهم وبين عارضات الأزياء.

اختزلت المشهد في لوحتين فنيتين كانت إحداهما رائعة روعة صاحبها ،والأخرى كانت مقززة بقدر ما يحمله المشهد من فضاعة ، فلا يمكن أن نعدل بين المشهدين فطفل يسير حافيا في أرض الصقيع لن يتساوى وفتاة شقراء تلبس الكعب العالي وترتدي نصف فستان جزء منه شفّاف والجزء الآخر لا يُخفي غير معالم يُحرم كتابتها ،تدّعي التحرر وتتقن أخذ الصور بوضعيات مثيرة ومغرية

اختزلت المشهد لكنني لم أختزل وطنا ضحّى لأجله رجال، ولا تهمني حسناوات الجزائر بقدر ما يهمني رجل يسكن في آخر ناصية من تراب هذا الوطن في بيت ترابي لا يعلم بأن الجزائر دولة مستقلة منذ خمسة وخمسون عاما، تُزينها الشقراوات بمساحيق ثروتنا وتفاصيل ثورتنا المجيدة….
نريد وجها حسينا لهذا الوطن لا يتجمّل بالحسناوات وفقط، بل بالثروة والاقتصاد والكفاءات وروح المسؤولية…
/ بريكة/ الجزائر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى