خالد البسام - الأدب الصغير

رغم إن الأديب العربي الشهير عبد الله المقفع قد ترك لنا كتاب «كليلة ودمنة» الذي ترجمه عن الفارسية، كان يكفيه أن يعيش على ترجمة وعظمة هذا الكتاب، فإنه قبل أكثر من 1200 عام وضع أيضا كتابين مهمين هما «الأدب الصغير» و«الأدب الكبير».
وفي «الأدب الكبير» ساق المرحوم المقفع نصائح للناس سماها «مطالب»، ولفت انتباهي إرشاداته للبشر في التعامل مع أصدقائهم وأصحابهم.
ومن بين هذه النصائح أنقل للقارئ بعضها اليوم:
- ابذل لصديقك دمك ومالك، وللعامة بشرك وحنانك، ولعدوك عدلك وإنصافك، واضن بدينك وعرضك على كل أحد.
- إن رأيت صاحبك مع عدوك فلا يغضبك ذلك، فإنما هو أحد رجلين.
- إن كان رجلا من إخوانك الثقة فنفع لك قربة من عدوك لشر يكفه عنك، أو لعورة يسترها منك، أو غيبة يطلع عليها لك، وإن كان رجلا من غير خاصة إخوانك وأوفاهم فبأي حق تقطعه عن الناس وتكلفه ألا يصاحب أو يجالس إلا من تهوى.
- احفظ قول الحكيم الذي قال: ليكن غايتك فيما بينك وبين عدوك العدل، وفيما بينك وبين صديقك الرضاء. وذلك أن العدو خصم تصرعه بالحجة وتغلبه بالإحكام، وأن الصديق ليس بينك وبينه قاض وإنما حكمه رضاه.
- استح الحياة كلها من أن تخبر صاحبك أنك عالم «وأنه جاهل» مصرحا أو معرضا وإن استطلت على المماثلين لك فلا تتوقع منهم الصفاء. وإن آنست في نفسك فضلا فتحرج أن تذكره أو تبديه، واعلم أن ظهوره منك بذلك الوجه يتركز لك في قلوب الناس من العيب أكثر مما يتركز من الفضل.
- وإن أردت أن تلبس ثوب الوقار والجمال وتتحلى بحلية المودة عند العامة وتسلك السبيل الذي لا غبار عليك فيه فكن عالما كجاهل وناطقا كمتعثر.
- فأما العمل فيزينك ويرشدك، وأما قلة ادعائه فينفي عنك الحسد. وأما المنطق فيبلغك حاجتك، وأما الصمت فيكسبك المحبة والوقار.
- وإذا رأيت رجلا يحدث حديثا قد علمته أو يخبر خبرا قد سمعته فلا تشارك فيه ولا تعقب عليه، حرصا أن يعلم الناس أنك علمته، فإن في ذلك خفة وسوء أدب وسخفا.
- تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام، ومن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، وقلة التلفت والتسرع في الجواب، والإقبال بالوجه والنظر إلى المتكلم والوعي لما يقول.
- لا تعتذرن إلا إلى من يحب أن يجد لك عذرا، ولا تستعن إلا بمن يحب أن يظفرك بحاجتك، ولا تحدثن إلا من يرى حديثك مغنما. وإذا اعتذر إليك معتذر، فتلقه بوجه مشرق وبشر ولسان طلق إلا أن يكون ممن قطيعته غنيمة.
- اعلم أن إخوان الصدق هم خير مكاسب الدنيا. وهم زينة في الرخاء وعدة في الشدة، ومعونة على خير معاش. فلا تفرطن في اكتسابهم وابتغاء وصالهم والأسباب إليهم.
وبعد، فهذا الكلام قيل منذ قرون، غير أن السنوات مضت والناس وقفوا مكانهم يحتاجون في كل مرة إلى من يعلمهم فن التعامل.
أعلى