مازن موفق صديق الخيرو - ايقاع السكاكين.. قصة قصيرة

شاهدته لأول مرة ، لم اشاهده منذ أعوام ، كان جالساً وأشعة الشمس الحارقة تكوي صلعته السمراء ، تركها عائمة في فضاء الرصيف المكتظ بالزوار ، لم يبق فيه شيء يذكر سوى الروح التي تحركه من أجل البقاء ، أمله صغير لا يتجاوز حدود الليلة الواحدة ، و ( استكان الشاي ) القابع بالقرب منه يخفف عنه الآمه ، جسد ممزق من أعلاه إلى أسفله ، شيخوخته وعداء الأيام له ، أما أنا فأحمل حقيبتي التي اعتدت أن احملها كل صباح ، أجمع فيها الفرح لأولادي الذين ينتظروني في حال عدت إليهم، كنت على العكس منه أملي كبير يشدني باتجاه الحياة ، كنت مستمتعاً بالنظر إلى باعة المسابح وهم يفترشون الأرض بأشكالها التي تفاوتت في الطول والقصر والألوان الداكنة ، لكنه يظل في مكانه لا يغادرها إلا بعد منتصف الليل ، وعند عودته لمنزله يجد أولاده يغصون في أحلامهم وقد أخذ الجوع جزءاً جديداً من أجسادهم.
مررت من أمامه فإذا به يصيح...
بخمسمائة فقط!
استغربت كيف يكون ذلك ؟ !! أيعقل ؟ مدينة السياحة والاسترخاء تهبط أسعارها بهذا الشكل ، ألتفت إليه وقلت....
بخمسمائة فقط يا عم ؟
قال : " نعم " ،
قلت : ماذا أفعل الآن ؟
قال ارتدي نعالاً واذهب للجلوس أمامي في ذلك الكرسي الأثري ، تفوح منه رائحة لفات الفلافل الحارة ، خلعت الحذاء الغائم ولبست النعال الأزرق مع وجود نعال آخر لونه أحمر بالقرب منه ، اخافني فتركته ، نظر إلي وكأنه شعر بخطيئة أخرى تضاف إلى خطايا الآخرين معه ، أو ربما نظرته كانت عتاباً لي ؛ لأن لون حذاءي كان أقرب للون الأحمر ، والغريب في الأمر لم يباشر بصبغ الحذاء بل أمسك بيده سكيناً وبدأ يضرب حافة الصندوق الخشبية التي توضع عليها الحذاء لغرض صبغها ، تصورت سأعيش صباحاً مملوءاً بالمشكلات ، لم استطع تفسير هذا الضرب المتكرر ، ايقاع السكاكين .. عنوان بوليسي القتل والدم لا غير ، فجاءة ترك النظر إلي لكنه لم يترك سكينه ، زاد في سرعة الضرب ، تفطرت اللوحة بعدها تركها وبدأ يصبغ الحذاء ناظراً إلي بابتسامة يردد من بعيد ، " أصلي أصلي " لقد وضعت لك صبغاً أصلياً لن يتسخ مرة أخرى بعد اليوم ، تساءلت مرة أخرى عن مدى الجنون الذي يحمله الإنسان ، يقابله اللقاء بروحه الرقيقة انحناءات آخر نهار .


* منقول عن جروب نادي الفصة السعودي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى